قال عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، إن الاكتشافات الأثرية المتراكمة المرتبطة بالمغرب لا يتخلّلها أي “تهويل أو تضخيم للذات”، مشددا على كونها “نتيجة وقائع حدثت بالفعل في هذه الأرض؛ وربما على الباحثين أن يكتشفوا المزيد وتقديم الأجوبة عن ذلك، لأنه في فترة من الفترات منذ آلاف السنين عرفت بلادنا العديد من الابتكارات والأحداث التي تثبت غنى الموروث البلد”.
ووضّح بوزوكار، وهو يلقي مداخلة ضمن يوم دراسي نظمه الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، أن “هذه الاكتشافات المتسارعة ساهمت في معرفة جزء من تاريخ الإنسانية”، مؤكدا أن “التسارع ناجم عن تراكم معين؛ لأن علم الآثار والبحث في التراث الثقافي قديم، ويتطلب الكثير من الوقت”.
وزاد مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وهو يتدخل في موضوع “حماية التراث والنهوض به بين الإكراهات والتطلّعات”: “البحث في التراث الثقافي بأطر مغربية ولّد تراكما واضحا، هذا حتى لو كانت مشاركتهم مكثفة أو قليلة في أعمال البحث، فقد حققت هذا التراكم”.
وأوضح المتحدّث عينه أن “التراكم يوفر سرعة النتائج”، ذاكرا بعض هذه النتائج؛ ومنها “اكتشاف أقدم عملية جراحية بالمغرب قبل 15 ألف سنة، بالإضافة إلى أقدم آثار لاستقرار الإنسان في فترة 15 ألف سنة”، مشيرا إلى “اكتشاف وجود أقدم إنسان عاقل وأقدم حلي في العالم، وكذا أقدم أدوات لصناعة الملابس ثم أقدم مركب زراعي خارج منطقة النيل قبل 5000 سنة، ناهيك عن أقدم استعمال طبي للنباتات”.
وتساءل مدير معهد الآثار: “إذا كان التراث الثقافي يوفر إمكانيات كبيرة وفوائد أكبر للتنمية المحلية لماذا لا يتم استغلاله من أجل التخفيف أو التقليص من هذه التفاوتات الترابية للجهة؟”، (…) موردا أن “الأهداف العامة لتدبير التراث الثقافي تتمركز على محاور؛ أولها تحديد الفاعلين الأساسيين في مجال التراث الثقافي وبلورة نقاط القوة والضعف أي الحكامة”، مشيرا إلى “تكوين قاعدة عامة حول الرصيد التراثي للتراث الثقافي وتحديد المواقع ذات الحساسية الكبرى المهددة بالاندثار، أي الجرد، ثم صياغة حلول تنموية ملموسة انطلاقا من تثمين التراث الثقافي، أي التثمين”.
وقال المتحدث عينه إن “حكامة التراث الثقافة مقترنة بالثقافة؛ والملاحظ أن الدستور بوصفه أسمى قانون في البلاد تحدث عن القطاع في كل الدساتير من 1962 إلى 2011″، مبرزا أن “وثيقة 2011 مختلفة، لكونها ذكرت مفهوم الثقافة 20 مرة وهو رقم لم يبلغه أي دستور قبله”، وزاد: “هذا الحضور في ارتباطه بالتراث الثقافي يحيلنا فعلا على مشروع قانون حماية التراث”.
ولفت المسؤول الأكاديمي والباحث البارز إلى أنه يقترح تغييرا في القطاعات الحكومية من حيث تدبير والتدخل في التراث الثقافي؛ ففي السابق كان هناك 14 قطاعا حكوميا أو شبه حكومي يتدخل في العملية، وأورد: “هكذا، كان تدبير التراث يرافقه تجزيئ وتفكك في المسؤوليات، والأمر انعكس على الجرد والحماية القانونية”، وواصل مستطردا: “مشروع القانون قد يحمل بعض الأجوبة على هذه التجزئة”.
وتابع بوزوكار شارحا: “منذ سنة 2017، تطورت عملية الجرد. وحسب آخر الأرقام، يوجد اليوم 14 ألف موقع على المستوى الوطني. وما بين 2017 و2024 هناك حوالي 66 موقعا مرتبطا بالصخور”، مورداً أن “هذا الرقم ضعيف وينبغي العمل على تطويرها وتشديد سبل الحماية والتثمين”.
وأورد: “اليوم، نلاحظ وجود مقاربة تشاركية، فقد انتقلنا من 14 متدخلا إلى أقل من ذلك، أي وصلنا إلى 3 متدخلين أساسيين؛ هم: وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة السياحة، ثم الجماعات الترابية”.
وفي سياق متصل، أورد مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط أن البحث “لم يعد حكرا على قطاع من قطاع أو مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة، وأصبح المجال متاح لمجموعة من المؤسسات الجامعية”، مضيفا أنه “لأول مرة في قانون يخص تدبير التراث الثقافي تتم الاشارة بشكل واضح إلى المؤسسات العلمية المختصة، أي الجامعات والكليات”.
وقال الجليل بوزوكار: “من حق المؤسسات العلمية المغربية الوطنية أن تقوم بالأبحاث، ولكن بأية إمكانيات تقنية وخاصة بشرية؟”، وزاد: “هنا، لا بد من الحديث عن شيء مهم؛ وهو رد الاعتبار لمن قاموا بتقديم عرض تربوي داخل الجامعات المغربية فيما يخص التراث الثقافي”، لافتا إلى أن “الأمر لم يكن يحتكره المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، خاصة في السنوات الأخيرة. وهذه التكوينات أمدتنا بالعديد من الأطر التي تشتغل في وزارة الثقافة أو الجامعات الوطنية”.
وشدد المتدخل في اليوم الدراسي، الذي نظمه الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب حول موضوع “حماية التراث والنهوض به بين الإكراهات والتطلّعات”، على أن هذا المعطى يعد بمثابة فرصة للدعوة إلى “إرساء شراكة حقيقية ومخططا مفكر فيه ببرمجة معينة ومحددة في الزمان وفي المكان أيضا، حتى نتغلب أيضا على غياب العدالة المجالية فيما يخص الأبحاث حول التراث الثقافي”.
وفي هذا الصدد، أوضح مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط أنه “عندما ننظر إلى الخريطة، لا أحد يستطيع، إلا الجاحد، إنكار غياب بيانات حقيقية حول هذه العدالة في ارتباطها بالبحث سالف الذكر. ولذا، أتصور أن السبيل الوحيد هو الانفتاح على الجامعات”.
0 تعليق