فتحت الطريقة التي خاطب بها عامل إقليم سطات المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الباب، مرة أخرى، على مصراعيه أمام تأكيد الانطباعات السائدة في المجتمع بخصوص النزوعات “السلطوية” لرجال الداخلية في البلاد تجاه مختلف الفاعلين والمتدخلين الآخرين في تدبير الشأن العام.
وأثار التوبيخ، الذي لم يُبد فيه عامل سطات أي نوع من التحفظ أو اللباقة إزاء مخاطبته المسؤول الإقليمي للتعليم بالإقليم مترامي الأطراف، موجة من الغضب والانتقادات لدن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا السلوك نوعا من الحنين إلى مدرسة وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي شاءت الصدف أن يكون مسقط رأسه مسرحا للواقعة المثيرة للجدل.
وتشير الحادثة إلى أن ممثلي “أمّ الوزارات” ما زالوا يمسكون بزمام الأمور بقبضة من حديد، وأن الخرجة التي وقّع عليها عامل سطات تحيل على نمط التدبير القديم الذي يضع الجميع تحت إمرة الولاة والعمال ويصورهم مجرد “خدم ومنفذين لتعليماتهم”، بعيدا عن شعارات تطوير وتحديث نمط الإدارة والتدبير التي ترفعها المملكة.
عبد الرحيم العلام، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، قال إن الطريقة التي تعامل بها عامل إقليم سطات “ليست جديدة في تعامل رجال السلطة والمسؤولين”، مؤكدا أن هذا النمط “سائد وهذه اللغة جزء من الثقافة الإدارية”.
وأضاف العلام، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اللغة التي تحدث بها العامل “ليست لغة محترمة ولا مؤدبة”، معتبرا أن هذا السلوك يتكرر في اجتماعات مختلف المؤسسات وبالأسلوب نفسه.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المسؤولين المغاربة في مختلف المواقع يلزمهم تكوين حتى يعبروا عن غضبهم بطريقة مؤدبة، مشددا على أن عموم المغاربة “لا يعبرون عن الغضب بطريقة حضارية مؤدبة”، لافتا إلى أن هذا الأسلوب “لا يمكن ربطه بالعامل والقايد ورجال السلطة، وهو متوقع ويمكن أن نجده عن الأستاذ مع المفتش والمسؤول مع المرؤوس”.
كما اعتبر العلام أن العقلية السلطوية “حاضرة عند جميع الناس، كلنا عندنا عقلية سلطوية، ويجب على الدولة بذل مجهود كبير في تكوين المسؤولين والموظفين، ووزارة الداخلية مطالبة بالاجتهاد في تكوين موظفيها على مستوى التواصل والطريقة التي ينبغي أن تتم فيها”.
من جهته، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أن رجل السلطة في المغرب مؤسسة “ذات طبيعة خاصة من حيث الحمولة التاريخية ودوره الضبطي والتحكيمي؛ ومن حيث قيامه بوظائف ترتبط بدولة ما بعد الاستقلال بالتالي له أدوار أمنية وتنموية واجتماعية”.
وأضاف اليونسي، في تصريح لهسبريس، أن هذين السياقين يوضحان أن رجل السلطة يستمد سلطته من “القانون ومن الثقافة المؤسساتية التي تعطي العامل صلاحيات لا حصر لها في العلاقة مع الأفراد والقطاع الخاص والمؤسسات والمجتمع المدني”.
وخلص الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية، في قراءته، إلى أن سلوك عامل سطات مع المدير الإقليمي للوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية هو “ترجمة فعلية لتأويل تحكمي لهذا الدور وفيه تجاوز لمحاولة المغرب ترسيخ المفهوم الجديد للسلطة؛ حيث التوزيع العقلاني للسلطة وليس تجميعها في يد مؤسسة واحدة ترابيا أو محليا، لأن فائض السلطة ينتج وسينتج هذا النوع من الممارسات”، وفق رأيه.
وزاد اليونسي مبينا أن الحادث يشكل عامل إضعاف للمؤسسات ووزارة الداخلية من حيث “مصداقيتها ومركزيتها محليا وترابيا مقارنة بالدور المهم الذي لعبته في جائحة كورونا، ويعطي إشارة سلبية على عقلانية مسار اتخاذ القرار ببلادنا”، مشددا على أن ما وقع “يشكك في الخطاب الرسمي فيما يتعلق باللاتركيز وموقع رجل السلطة فيه”، حسب تعبيره.
0 تعليق