أيت أحمد: التعديلات على مدونة الأسرة لا تضمن الإنصاف لجميع المغربيات

0 تعليق ارسل طباعة

في سياق النقاش الراهن حول تعديل مدونة الأسرة المغربية، دافعت أستاذة التعليم العالي مريم أيت أحمد على أن الاجتهاد الفقهي يتطلب “مقاربة شرعية تشمل برؤية تكاملية غير تجزيئية كل الحقوق والواجبات الشرعية المؤسسة للأسرة في الإسلام، بما فيها تحميل الرجل واجب النفقة عن الزوجة والأبناء ومن هم في عهدته بعد وفاة الوالد كالأم والأخوات؛ فقد كفل الشرع حق الإرث بنصيبَين للرجل بما أوجب عليه من إنفاق على أهله بعد رحيل الأب كأمه وإخوته الصغار وأخواته، دون رميهم للشارع. فكان حظ الذكر بقسمتَين مقترنا بواجبه الشرعي كمكلف باستمرارية الإنفاق على من تركوا في عهدته، أما وأختا وعمة وجدة… كافلا لهم بعد رحيل الأب”.

وفي ورقة بعنوان “تعديلات المدونة ومستقبل فقه الموازنات بين الفئات النسائية المغربية”، تابعت الأكاديمية: “المسألة بالنسبة لنا نحن نساء المغرب مقرونة بمبادئ تشريعية إسلامية تحافظ على سلامة التكافل الأسري برؤية شرعية تكاملية غير تجزيئية بعد غياب الأب”.

وتقدّر مريم أيت أحمد أن التعديلات المقترحة لـمدونة الأسرة قد “ناقشت بشكل واضح، وتقييم أحادي الهدف والمآل مصالحَ المرأة المتزوجة التي يمتلك زوجها بيت الزوجية، مما يخول لها حق العيش الكريم وأطفالها بعد الوفاة أو الطلاق”، لكن هذه المقترحات قد “غفلت الحديث عن نسبة هائلة من النساء المغربيات لا يدخلن ضمن هذا الوضع الاجتماعي الخاص بحالات دون أخرى. إذ لم يتطرق لوضعية المرأة المتزوجة التي تعيش تحت سقف بيت الإيجار إن غاب عنها زوجها (…) وهذه التعديلات لم تناقش فئة واسعة من حالة اجتماعية لعازبات غير متزوجات يمثلن شريحة واسعة داخل المجتمع المغربي، أيّ مصير لهن بعد وفاة الأب؟”.

واسترسلت قائلة إن التعديلات “لم تلامس وضعية أم الزوج المتوفى وحمايتها من التشرد، بعدما كانت تحت كفالته في حياته، بحيث لم تضمن حقها في العيش المشترك تحت سقف بيت ابنها بعد حيازة الزوجة لبيت الزوجية”، ثم تساءلت: “هل يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية متوازنة إذا استثنينا حالات اجتماعية لنساء دون أخريات؟”.

وأردفت متسائلة: “الإحصائيات السكانية سجلت نسب النساء العازبات غير المتزوجات في المغرب، فما مصيرهن بعد غياب الأب أو الأخ المعيل لهن؟ كذلك أحصت نسب الأسر التي تسكن في بيوت الإيجار، فما وضعهن بعد غياب الزوج بالوفاة أو الطلاق مع حالات البطالة والأزواج تحت خط الفقر!؟ أيضا لو أحصينا نسب النساء المطلقات، والأرامل، والمهجورات، والأمهات العازبات، من يكفل لهن حقوقهن وأطفالهن؟”.

وشدّدت الأكاديمية ذاتها على أن “تدارس مشروع تعديلات منفصل عن سياقات اجتماعية واقعية تحمي كل الأطراف دون تحيز أو تجزيء، لا يمكن إلا أن يساهم في خلق جدل مجتمعي سيؤدي بتجاذباته الواسعة إلى إحداث نوع من الانقسامات متباينة الوجهات داخل الأسرة المغربية الكبيرة، الأمر الذي قد يزعزع ثقة الشباب في مؤسسة الزواج ككل”، ثم أكّدت أن “السياقات الواقعية ببيئتنا المغربية لا يمكن فصلها عن القيم المبنية على الأخلاق الإسلامية التي تركز على قيمة التكافل الأسري، الذي به عشنا تاريخيا ومازلنا نعيش به اليوم نحن آلاف الأسر المغربية؛ حيث يتكفل الأخ بأخواته وأمه وعمته وجدته، ويتكفل الابن بزوجته وأمه وعائلته المعوزة من الأقارب داخل بلده وفي غربته”.

ونبّهت الباحثة إلى أنه “لا يقبل تشخيص ظرفية حالة بعينها في إطار منفرد، يجعل منها قالبا موحدا يسري على كافة حالات النساء الاجتماعية المغايرة”.

وخلصت الورقة إلى أن “مقاربة هذا التعديل الراهن لمدونة الأسرة لم تكن شاملة برؤية تشاركية لكافة شرائح وحالات الوضع النسائي لضمان حقوق الأسرة المغربية وفق منظور تكاملي في الرؤى الاستراتيجية بمآلات متوازنة ومخرجات مناصفة مستقبلية”؛ لأن “المقاربات الاجتماعية في مجتمعاتنا العريقة بعاداتها الثقافية، وقيمها الأسرية التكافلية الجمعية الأصيلة، تحتكم لسياقات مغايرة عن الأنماط الحضارية لمجتمعات لا تكافلية، تعتمد كليا على هياكل الدولة الاجتماعية في حماية حقوق الأسرة والطفولة”.

وتمسّكت أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن طفيل بأن “المرأة المغربية الواعية اليوم برسالة ضمان الإنصاف والعدالة لشقيقتها المرأة، عليها أن تراعي ظرفية كل النساء على اختلاف حالاتهن الاجتماعية، بعيدا عن أي تحيز يخدم مصلحة فئة دون أخرى، فإذا كان القانون المغربي ينظم توزيع التركة وفق الفرائض الشرعية، مما يمنح لكل وارث نصيبه المحدد، فيترتب على ذلك أن بيت الزوجية يدخل ضمن قسمة التركة، وفي حالة احتفاظ الزوجة به يصبح ملكية مشتركة، في ضمان حق الاستغلال العادل بين الورثة لتحقيق الأمن النفسي والسكني لجميع الأطراف دون تحيز”؛ بمنطلق “رؤية جمعية عادلة غير تجزيئية” قصد تعزيز “سلمنا الاجتماعي الداخلي، ويبعدنا عن خلق ارتباك من نوع جديد لدى جيل الناشئة من أبنائنا، قد يغرس في نفوسهم عقلية العزوف عن مؤسسة الزواج”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق