عاجل| لماذا تعد الطاقة المتجددة الفرصة الكبرى القادمة لمصر؟

0 تعليق ارسل طباعة

في دراسة نشرها المجلس الأطلسي، ومقره واشنطن، طرح الباحثان جوناثان آر. كوهين، ورشا حلوة هذا السؤال: لماذا تمثل الطاقة المتجددة فرصة مصرية ذهبية؟، وفي معرض إجابتهما أشارا إلى رأي الخبير الاقتصادي ديفيد ريكاردو بأن تداول السلع ذات الميزة التنافسية بين البلدان يُحسِّن الكفاءة الاقتصادية ويُعظِّم الأرباح، وفي القرن الحادي والعشرين، أعاد تداول الطاقة المتجددة تعريف الميزة التنافسية، مما يمنح الدول الغنية بالموارد مثل مصر فرصة فريدة.

وهيمنت المنتجات البترولية والقطن والمنسوجات والمواد الكيميائية تاريخيًا على صادرات مصر. ومع ذلك، مع تطور مشهد الطاقة العالمي، تقف مصر على أعتاب تحول كبير. فالبلاد على وشك تسخير إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة لتلبية الطلب المحلي، وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، والظهور كقائد في صادرات الطاقة النظيفة.

ولكن، لكي تحقق مصر ذلك، يجب عليها أولًا معالجة تحديات داخلية حاسمة، مثل اعتمادها على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، والبنية التحتية غير المتطورة للطاقة المتجددة. فتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة هو شرط ضروري لتحقيق طموحات البلاد في تصدير الطاقة الخضراء.

الاستفادة من أشعة الشمس التي لا تنتهي

تتمتع مصر بوفرة في أشعة الشمس. فهي تفتخر ببعض من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، تتراوح بين 2000 إلى 3200 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع سنويًا. ومع أكثر من 3500 ساعة من أشعة الشمس سنويًا ومساحات مفتوحة واسعة، تحمل مناطق مثل الصحراء الغربية وصعيد مصر إمكانات هائلة وغير مستغلة لتطوير الطاقة الشمسية.

تسلط العديد من المشاريع الجارية بالفعل الضوء على هذه الإمكانات.  تتمتع محطة بنبان للطاقة الشمسية، وهي واحدة من أكبر المنشآت الشمسية في العالم، حاليًا بقدرة 1.8 جيجاوات، مع خطط لتوسع كبير. 

تشمل التطورات القادمة مشروع "إيميا باور" الإضافي بقدرة 2 جيجاوات مع 900 ميجاوات/ساعة من تخزين البطاريات، ومشروع تحالف "مصدر/حسن علام للمرافق/إنفينيتي" المخطط له لتوسعة 300 ميجاوات في بنبان إلى جانب مشروع 900 ميجاوات في واحة الداخلة (إجمالي 1.2 جيجاوات).

وفي أماكن أخرى، ستستضيف محطة طاقة أبيدوس كوم أمبو للطاقة الشمسية الكهروضوئية منشأة بقدرة 500 ميجاوات، ووقعت شركة مصدر صفقة كبيرة أخرى مع أكثر من 6 جيجاوات من السعة الشمسية الجديدة، و4 جيجاوات من طاقة تصنيع الطاقة الشمسية الجديدة، و2 جيجاوات من طاقة تصنيع البطاريات الجديدة.

تسخير طاقة الرياح في خليج السويس

تُعد طاقة الرياح حجر زاوية آخر في استراتيجية مصر للطاقة المتجددة. يوفر خليج السويس ووادي النيل سرعات رياح عالية، بمتوسط 8-10 أمتار في الثانية. 

تستهدف رؤية 2030، وهي استراتيجية أطلقتها الحكومة المصرية قبل تسع سنوات، 14 جيجاوات من طاقة الرياح بحلول نهاية هذا العقد، مع العديد من المشاريع واسعة النطاق الجارية بالفعل.

تشمل التطورات البارزة مزرعة رياح "إيميا" بقدرة 5 جيجاوات في خليج السويس، والمتوقع أن تبدأ العمل بحلول أوائل عام 2026، ومزرعة رياح "حسن علام/أكوا باور" بقدرة 1.1 جيجاوات، ومشروع "أوراسكوم للإنشاءات" بقدرة 650 ميجاوات في رأس غارب. 

بالإضافة إلى ذلك، يقوم تحالف مصدر، بالشراكة مع إنفينيتي باور وحسن علام للمرافق، بتطوير مزرعة رياح برية بقدرة 10 جيجاوات، والتي ستكون من بين الأكبر على مستوى العالم.  من المتوقع أن يُخفِّض المشروع انبعاثات الكربون بمقدار 23.8 مليون طن سنويًا، وهو ما يُمثِّل حوالي 9 بالمئة من إجمالي الانبعاثات الحالية في مصر. تشمل المبادرات الأخرى الأصغر حجمًا ولكنها ذات أهمية مزرعة رياح "ألكازار" بقدرة 2 جيجاوات، ومنشآت الرياح والطاقة الشمسية المُجمَّعة لشركة "طاقة عربية/فولتاليا" (1 جيجاوات و2.1 جيجاوات على التوالي).

وعد - ومعضلة - الهيدروجين الأخضر

تضع مصر نفسها كقائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يعتمد على موارد متجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يُمكن لمصر إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل من دولارين للكيلوجرام بحلول عام 2030.  

تم تحديد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمركز لتطوير الهيدروجين الأخضر، حيث تعمل شركتا "سيمنز" و"سكاتك" على منشأة قادرة على إنتاج مليون طن سنويًا بحلول عام 2035.

ومع ذلك، يُمثِّل الهيدروجين الأخضر معضلة. فتحويل الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين يُقلِّل من الطاقة المُتاحة للشبكة المحلية، حيث لا يزال الغاز الطبيعي هو المهيمن. لكي يصبح الهيدروجين الأخضر سلعة تصدير قابلة للتطبيق، يجب على مصر أولًا تحقيق الاستقرار في إمدادات الطاقة المحلية وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء.

العقبات المحتملة في المستقبل

تتمتع مصر بإمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، لكن تأثيرها الحقيقي يكمن في التنفيذ الفعال. وستكون قدرة البلاد على تسخير هذه الإمكانات مفتاحًا لتحقيق أهدافها في مجال الاستدامة ودفع تحول الطاقة على المدى الطويل.  حاليًا، تواجه طموحات مصر في مجال الطاقة مجموعة من التحديات الهيكلية والاقتصادية التي تُعيق تقدمها نحو أن تُصبح رائدة في مجال الطاقة النظيفة.

تكمن إحدى العقبات الرئيسية في الشبكة الكهربائية للبلاد، التي هي حاليًا غير قادرة على دمج مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق. 

على الرغم من الاستثمارات الجارية، فقد تَجمَّدت القدرة المتجددة الحالية عند أقل من 12 بالمئة من إجمالي قدرة مصر البالغة 60 جيجاوات، مما يُشدِّد على الحاجة المُلِّحة لتحديث الشبكة وأنظمة تخزين الطاقة لدعم التوسع في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الحواجز التنظيمية تُعيق التقدم. فالتشرف المُجزَّأ لقطاع الطاقة، إلى جانب عمليات الترخيص المطولة وأوجه القصور المنهجية، يُثبِّط الاستثمارات ويُؤخِّر الجداول الزمنية للمشاريع.

تزيد القيود المالية من تفاقم هذه المشكلات. فمع ارتفاع الدين العام ومحدودية الحيز المالي، يَصعُب تمويل مشاريع الطاقة المتجددة. في حين أن الأُطر التي أنشأها الصندوق الأخضر للمناخ والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في عام 2017 تهدف إلى جذب رأس المال الخاص، فإن العقبات المالية لا تزال قائمة.

ولعل أحد العوامل الأكثر إلحاحًا، مع ذلك، هو أن مزيج الطاقة في مصر لا يزال يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، حيث يتم توليد حوالي 80 بالمئة من الكهرباء من الغاز الطبيعي والنفط. هذا الاعتماد يُعرِّض البلاد لمخاطر تقلبات الأسعار واضطرابات الإمداد، كما يُقوِّض الجهود المبذولة للانتقال نحو الطاقة المستدامة. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الغاز للشبكة المحلية يُضعِف قدرة مصر على تعظيم أرباح تصدير الغاز الطبيعي المُسال مع مُعالجة التحديات المحلية، مثل حالات انقطاع التيار الكهربائي في الصيف وزيادة واردات الغاز بسبب انخفاض الإنتاج في حقل ظُهر البحري.

وأخيرًا، فإن إعانات الوقود من الحكومة المصرية - التي تُقدَّر بسبعة مليارات دولار سنويًا - تُشوِّه أسواق الطاقة وتجعل الطاقة المتجددة أقل تنافسية مقارنة بالوقود الأحفوري.

نحو مسار متوازن للقيادة العالمية

تقف مصر على أعتاب ثورة في مجال الطاقة المتجددة، وهي في وضع فريد يؤهلها للريادة في توليد الطاقة النظيفة، وفي نهاية المطاف، تصديرها. فما تتمتع به من إشعاع شمسي وفير، وممرات رياح قوية، وإمكانات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر الفعال من حيث التكلفة، يمنحها ميزة تنافسية في المشهد العالمي للطاقة المتجددة.

تتجلى هذه الإمكانات في رؤية مصر 2030، التي تستهدف توليد 42 بالمئة من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030. 

وقد ذكرت الحكومة المصرية أنها تريد أن تُمثِّل الطاقة المتجددة 60 بالمئة من مزيج الطاقة، بما في ذلك استثمارات بقيمة 40 مليار دولار في الهيدروجين الأخضر. 

ومن خلال برنامج "ترابط المياه والغذاء والطاقة"، تهدف الحكومة أيضًا إلى إضافة 10 جيجاوات من القدرة المتجددة بحلول نهاية هذا العام باستثمار قدره عشرة مليارات دولار.

هذه الأهداف تتسم بالطموح، على أقل تقدير. ولتحقيقها، يجب على مصر أولًا تأمين الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال النمو السريع في توليد الطاقة المتجددة. ويُعد توجيه معظم أو كل الإنتاج المتجدد إلى الشبكة المحلية لاستبدال الغاز الطبيعي تدريجيًا خطوة أولى مهمة. 

كما أن تعظيم صادرات الغاز الطبيعي المُسال مع تحويل الطاقة المتجددة إلى مزيج الطاقة يُمكن أن يُولِّد عائدات من العملات الأجنبية اللازمة لتمويل تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة والمشاريع الأخرى.

من خلال سياسات ذكية واستشرافية واستثمارات استراتيجية من الحكومة المصرية، إلى جانب شراكات دولية قوية، يُمكن لمصر أن تُصبح مركزًا عالميًا للطاقة النظيفة. 

فمن خلال تسخير مواردها المتجددة الهائلة، لا يُمكنها فقط أن تُضيء مستقبلها، بل تُساهم أيضًا في إنارة العالم - حرفيًا ومجازيًا.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق