تعزيز النفوذ ومواكبة جيوسياسية.. فرنسا تتجه نحو شرق إفريقيا

0 تعليق ارسل طباعة
3

شهدت السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية الفرنسية، حيث بدأت فرنسا توجه جهودها بشكل متزايد نحو شرق إفريقيا.

ويأتي التوجه في وقت يشهد فيه نفوذها التقليدي في منطقة الساحل الإفريقي تراجعًا كبيرًا، وذلك بسبب صعود حكام عسكريين جدد في المنطقة، الذين أعلنوا القطيعة مع المستعمر السابق في ظل انفتاحهم على منافسي باريس، مثل روسيا وتركيا، ويعكس هذا التحول، استجابة فرنسا للتحديات الجديدة في القارة الإفريقية، ويأتي في إطار سعيها لاستعادة مكانتها وتعزيز وجودها في المنطقة.

RTS2N6FO

من غرب إفريقيا إلى شرقها

في السنوات الماضية، كانت منطقة غرب إفريقيا ومواردها في متناول فرنسا، حيث كانت باريس تسيطر على العديد من الأراضي عبر وجودها العسكري والسياسي، ولكن مع التغيرات السياسية التي شهدتها هذه المناطق في العقدين الأخيرين، بدأت فرنسا في إعادة تقييم استراتيجياتها لتأمين نفوذها في القارة السمراء.

ووفقًا للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، مؤخرًا، فإن فرنسا بدأت في منح مناطق جديدة مثل شرق إفريقيا أهمية متزايدة في سياستها الخارجية، في محاولة لتعويض تراجع نفوذها في ساحل إفريقيا من خلال تعزيز علاقاتها مع دول منطقة القرن الإفريقي مثل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا.

التنافس الجيوسياسي في شرق إفريقيا

بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، يمثل شرق إفريقيا نقطة استراتيجية مهمة على المستوى الجيوسياسي، وذلك بسبب موقعه المتميز على المحيط الهندي والبحر الأحمر، وهو ما يعزز من أهمية المنطقة كجزء من صراع دولي متنامي بين القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة، ودفع هذا التنافس فرنسا إلى تعزيز وجودها العسكري والدبلوماسي في تلك المنطقة، حيث تعتبر باريس سواحلها على المحيط الهندي منطقة حيوية تتطلب شراكات قوية مع دول مثل كينيا وتنزانيا.

وفي هذا السياق، تهدف فرنسا من خلال سياستها إلى مواجهة التوسع المتزايد للنفوذ الصيني والروسي في المنطقة، وكذلك التصدي لتوسع النفوذ التركي الذي أصبح له دور بارز في المنطقة، وتشهد منطقة القرن الإفريقي التي تشمل البحر الأحمر والمحيط الهندي، سباقًا محمومًا بين القوى العالمية للسيطرة على الممرات المائية والتجارة الدولية، وهو ما دفع فرنسا لتكثيف علاقاتها مع إثيوبيا وكينيا.

الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة

تستخدم فرنسا مجموعة متنوعة من الأدوات لتعزيز نفوذها في شرق إفريقيا، بما في ذلك تواجدها العسكري القوي، ومن أبرز هذه الأدوات قاعدة جيبوتي العسكرية، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية فرنسية خارج الأراضي الفرنسية، وزادت أهمية هذه القاعدة بشكل ملحوظ بعد الانسحابات العسكرية لفرنسا من بعض مناطق الساحل وغرب إفريقيا.

وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا لا يمكنها تنفيذ استراتيجياتها في المحيطين الهندي والهادئ دون وجود القوات الفرنسية في جيبوتي، وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا قد جددت شراكتها الدفاعية مع جيبوتي في عام 2024، وذلك في إطار تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

كما أن التعاون الدفاعي مع إثيوبيا شهد تطورًا ملحوظًا، حيث وقعت فرنسا اتفاقية تعاون دفاعي مع إثيوبيا في عام 2019، شملت تدريب القوات البحرية الإثيوبية وتقديم الدعم اللوجستي في إعادة بناء قوتها البحرية.

الدور الاقتصادي الفرنسي في شرق إفريقيا

الجانب الاقتصادي يشكل عنصرًا محوريًا في استراتيجية فرنسا تجاه شرق إفريقيا، في ديسمبر 2024، أعلن ماكرون عن دعم باريس للأجندة الإصلاحية التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد الإثيوبي، كما أعلنت فرنسا عن تقديم دعم مالي من الوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 100 مليون يورو لدعم الاقتصاد الإثيوبي، بالإضافة إلى المساعدة في إعادة هيكلة ديون إثيوبيا.

وتعتبر كينيا من بين الدول التي يوليها الفرنسيون اهتمامًا خاصًا، حيث تعتبرها نقطة وصول إلى أسواق شرق إفريقيا، وتضاعف وجود الشركات الفرنسية في كينيا بشكل كبير في العقد الماضي، حيث وصل عدد الشركات الفرنسية إلى 140 شركة. كما أن فرنسا تعد خامس أكبر مستثمر في كينيا، حيث بلغ إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي وكينيا 3 مليارات يورو في عام 2023.

وإلى جانب الجهود الاقتصادية والعسكرية، تلعب فرنسا أيضًا دورًا في تعزيز القوة الناعمة في شرق إفريقيا من خلال النشاط الثقافي. وفي إثيوبيا، قامت فرنسا بدعم مشاريع ترميم المعالم التاريخية، مثل كنائس لاليبيلا وقصر هيلا سيلاسي، لتحويلهما إلى معالم سياحية، كما تعمل “أليانس فرانسيز” على تعزيز الثقافة الفرنسية في إثيوبيا، وتدعم العديد من مشاريع التعليم باللغة الفرنسية.

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم نجاح فرنسا في تعزيز وجودها في شرق إفريقيا، فإن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، وتواجه باريس منافسة قوية من القوى الكبرى مثل الصين وتركيا، مما يتطلب منها بذل المزيد من الجهود للتمسك بمكانتها. إضافة إلى ذلك، فإن فرنسا لا تزال تواجه تحديات تاريخية تتعلق بإرثها الاستعماري في إفريقيا، وهو ما يعيق قبولها كشريك في التنمية بالنسبة لبعض الدول.

وتبقى قدرة فرنسا على تعزيز نفوذها في شرق إفريقيا محكومة بقدرتها على التكيف مع التنافس الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة، وتطوير شراكات استراتيجية تهدف إلى تحقيق مصلحة جميع الأطراف، مع تجاوز تحدياتها التاريخية في المنطقة.

دور خفي في مالي

تواصل فرنسا محاولة مواجهة توسع النفوذ الروسي في جمهورية مالي من خلال زيادة المساعدات للجماعتين الإرهابيتين “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” و”حركة أزواد التنسيقية” من أجل الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا.

وتعزز باريس بحسب الاتهامات التي توجهها مالي، دعمها للجماعات المناهضة للحكومة في الجمهورية من خلال تزويدها بالأسلحة، وإحدى هذه القنوات هي المنظمة الإنسانية الدولية غير الربحية منظمة أطباء بلا جبهة، التي يتمتع موظفوها بالحق في الحصانة وفقا للاتفاقيات الدولية.

وتقوم السلطات الفرنسية بتسليم الأسلحة جوا إلى مطار مدينة أنسونغو (مالي) تحت غطاء توريد الشحنات الطبية. بالإضافة إلى ذلك، منذ مايو 2024، تقوم فرنسا، من خلال منظمة أطباء بلا حدود، بتزويد مالي بطائرات بدون طيار للمسلحين، والتي تستخدم لاحقا كطائرات بدون طيار هجومية ضد الجيش المالي والجيش الروسي، كما تعالج منظمة أطباء بلا حدود الجرحى بشكل دوري في مستشفياتها في مدينتي أنسونغو وغاو، دون تسجيلهم في السجلات المعنية.

اقرأ أيضا

إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق