في شوارع غزة التي لا تهدأ، حيث الأزقة تحكي قصصًا من الصمود، يتكرر المشهد ذاته بأدوات مختلفة. ليس جديدًا أن يُدفع الفلسطيني إلى المنفى، وأن يُطرد من وطنه وكأنه دخيل على أرضه، أو أنه يصبح رقمًا في سجلات اللاجئين.
وعلى مدار العقود، تكررت محاولات نفي الفلسطينيين من موطنهم بأساليب متجددة تتماشى مع التحولات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ورغم اختلاف الحجج، يبقى الهدف الأساسي ثابتًا، وهو اقتلاع الفلسطيني من جذوره. ما يجعل من هذه السياسات إجراءً متواصلًا ضمن مشروع الاحتلال لإعادة رسم خارطة المنطقة وفق مصالحه الخاصة.
من النكبة إلى اليوم.. الخطة مستمرة
لم تبدأ فكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم في السابع من أكتوبر 2023، بل هي امتداد لمشروع قديم وراسخ في العقيدة الصهيونية. منذ حرب 1948، وُضعت المخططات، ونُفذت السياسات، لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين واستبدالهم بوافدين جُلبوا من كل أصقاع الأرض.
وفي عام 1970، نشرت صحيفة “الدستور” الأردنية عنوانها الشهير”بدء تفريغ قطاع غزة من السكان”، مشيرة إلى المخططات التي كانت تُنفذ حينها، حيث كان عدد سكان القطاع يناهز 300 ألف. واليوم، وبعد أكثر من 50 عامًا، يُعاد المشهد نفسه، ولكن على نطاق أوسع، يستهدف أكثر من مليوني فلسطيني وسط صمت دولي واتصالات عربية لمنع الكارثة.
أوراق الماضي.. خطط أمريكية وصهيونية لاقتلاع الفلسطينيين
محاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين ليست وليدة اللحظة، بل تعود لعقود طويلة. منذ ما قبل تأسيس الكيان المحتل، كانت فكرة التهجير مطروحة على طاولات البحث والدراسة. وثائق بريطانية وأمريكية كشفت عن مقترحات ترحيل الفلسطينيين إلى العراق أو سيناء أو الأردن، وجميعها كانت تصطدم بإرادة الشعب الفلسطيني الذي يرفض التخلي عن أرضه.
وفي عام 1967، وبعد احتلال غزة والضفة الغربية، حاولت إسرائيل تنفيذ عمليات تهجير قسري عبر وسائل متعددة، أبرزها التضييق الاقتصادي والضغط العسكري. واليوم، تُعاد الكرة نفسها بأساليب أكثر عنفًا، في ظل دعم سياسي وعسكري أمريكي مكشوف.
السابع من أكتوبر.. ذريعة جديدة لمخطط قديم
يرى البعض أن ما يحدث اليوم في غزة هو نتيجة مباشرة لعملية السابع من أكتوبر، لكن هذا الطرح يتجاهل الحقيقة التاريخية. فالاستعمار لا يحتاج إلى ذريعة، والاقتلاع كان سيحدث عاجلًا أم آجلًا، سواء في عام 2023 أو 2050 أو حتى بعد قرن. كما أن الحروب الكبرى، مثل الحرب العالمية الأولى، لم تكن لتتوقف لو لم يُغتل ولي عهد النمسا، لأن أسبابها كانت أعمق من مجرد حادثة.
وبالمثل، فإن تهجير الفلسطينيين لم يكن مرتبطًا بحدث معين، بل هو جزء من مشروع طويل الأمد، تتغير مبرراته بينما يبقى الهدف واحدًا، وهو” إقامة وطن خالٍ من الفلسطينيين.”
محاولات عربية لوقف الكارثة.. هل تنجح؟
رغم التصريحات الرسمية والجهود الدبلوماسية، يظل التهديد قائمًا. الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تتزايد، والمقترحات القديمة تُبعث من جديد في محاولات لإعادة رسم خارطة السكان في المنطقة.
لكن كما فشلت المخططات السابقة أمام إرادة الفلسطينيين، يظل السؤال مفتوحًا: هل يكون مصير هذه الخطة كسابقاتها؟ أم أن الصمت الدولي سيسمح بتمريرها؟
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق