لعبة الكبار.. الجنوب العالمي بين الإصلاح والتبعية

0 تعليق ارسل طباعة
0

لطالما اعتُبر البيت الأبيض محورًا لصياغة التوازنات العالمية، لكن عودة دونالد ترامب إلى السلطة أعادت خلط الأوراق على المسرح الدولي.

يرى المراقبون أن هذه العودة ليست مجرد تغيير سياسي، بل إعلانٌ عن نهاية عهدٍ كامل من النظام العالمي الذي قادته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وبدا هذا النظام وكأنه يترنح بعد الحرب الباردة، لكنه ظل مؤثرًا رغم تناقضاته، واليوم، مع صعود قوى جديدة، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا، عالم تحكمه المصالح الوطنية وحدها، حيث القوة هي التي تصنع الحق، والمعاملات تحل محل القيم.

نهاية النظام الليبرالي أم إعادة تشكيله؟

يصف الكثيرون النظام العالمي السابق بأنه “نظام قائم على القواعد”، لكنه لم يكن دائمًا ليبراليًا ولا شاملًا، بل عانى من إقصاء الدول غير الغربية. حتى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أقرّ خلال جلسات استماعه في الكونجرس بأن هذا النظام أصبح “عتيقًا”.

ومع ذلك، حسب ما نشرت مجلة “فورين آفيرز”، الثلاثاء 4 فبراير 2025، يبقى التحدي الأهم هو تحديد ما إذا كان هذا النظام يواجه انهيارًا تامًا أم يخضع لإعادة تشكيل تعكس التوازنات الجديدة.

الجنوب العالمي: بين النقد والبحث عن بدائل

بالنسبة لكثير من دول الجنوب العالمي، لا يمثل انهيار النظام الدولي الليبرالي خسارة يُرثى لها، فقد كان هذا النظام، في نظرهم، غير عادل، ولم يمنحهم تمثيلًا حقيقيًا في المؤسسات العالمية، بل إن دولًا مثل البرازيل والهند طالما اشتكت من انحياز المؤسسات الدولية الكبرى، كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، لمصالح الدول الغنية على حساب بقية العالم.

الجنوب العالمي هو مصطلح فضفاض يشمل دولًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، معظمها كان مستعمرًا في الماضي.

وقد ازداد إحساس هذه الدول بالتهميش مع تصاعد نفوذ القوى الاقتصادية الكبرى، مثل الصين، التي تدّعي أنها جزء من الدول النامية رغم كونها القوة الصناعية الأولى عالميًا، ومع ذلك، يجمع هذه الدول شعورٌ مشترك بالإحباط من النظام القائم، ورغبة في تغييره.

إصلاح المؤسسات أم تجاوزها؟

من بين أبرز مطالب الجنوب العالمي، إصلاح المؤسسات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمن الدولي وصندوق النقد الدولي، بحيث تصبح أكثر تمثيلاً لمصالح الدول النامية. غير أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، ويبدو أن تحقيق نتائج ملموسة في المدى القريب أمر غير مرجح، لذلك، تتجه بعض هذه الدول إلى البحث عن بدائل، مثل تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية، ودعم المواقف الصينية في قضايا تتعلق بالبيئة وحقوق الإنسان والحوكمة.

لكن هذا التوجه يثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان دعم مواقف بكين يعزز موقع الجنوب العالمي أو يجعله أداة في لعبة القوى العظمى، وفي ظل التنافس بين الولايات المتحدة والصين، تبرز مخاطر استغلال الجنوب العالمي في صراع قد لا يخدم مصالحه الحقيقية.

هل من الحكمة التخلي عن النظام القائم؟

يرى بعض المراقبين أن السعي لإرساء نظام عالمي جديد قد يكون خطوة غير ضرورية وربما خطيرة، فرغم تناقضاته، يبقى النظام الدولي الليبرالي قائمًا على قواعد واضحة، تشمل معاهدات دولية تسعى إلى تحقيق الصالح العام.

لذا، بدلًا من التخلي عنه، يجدر بالجنوب العالمي العمل على تحسينه، خاصة وأن انتخاب ترامب لولاية جديدة قد يجعل هذا المسعى أكثر إلحاحًا.

القانون الدولي: درع الضعفاء في مواجهة الأقوياء

لطالما كان القانون الدولي أداة لحماية الدول الصغيرة والضعيفة من هيمنة القوى الكبرى. فهو الإطار الذي ينظم قضايا التجارة، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والبيئة، ونزع السلاح، وحقوق العمال، واستغلال الموارد الطبيعية. وفي كثير من الأحيان، كان القانون الدولي في صالح الدول النامية أكثر من القوى الكبرى التي تحاول تجاوزه لتحقيق مصالحها.

بالتالي، فإن التخلي عن النظام القائم والارتماء في أحضان قوى جديدة قد يؤدي إلى إضعاف هذه القوانين، ما يترك الجنوب العالمي في مواجهة نظام جديد، أكثر فوضوية، تحكمه القوة لا القانون. وإذا كانت هناك أخطاء في النظام الحالي، فإن الحل لا يكمن في هدمه، بل في إصلاحه ليصبح أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع.

بين النظام الحالي والمستقبل المجهول

إن عودة ترامب إلى السلطة تفتح الباب أمام تحولات جذرية في السياسة الدولية، وقد يكون النظام العالمي الحالي في مفترق طرق، إلا أن العالم لا يحتاج إلى انسحاب أمريكي من الساحة الدولية، بل إلى مزيد من الالتزام بالقوانين التي تحفظ الاستقرار.

بالنسبة للجنوب العالمي، فإن التحدي الأكبر ليس في البحث عن نظام جديد، بل في كيفية تحقيق مكاسب أكبر ضمن النظام القائم، والعمل على جعله أكثر شمولًا وتمثيلًا لمصالح الجميع، بدلًا من الوقوع في لعبة القوى الكبرى التي قد تنتهي بتعزيز “شريعة الغاب” على حساب القانون الدولي.

اقرأ أيضًا

إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق