قيادات "حزب الأحرار" تستحضر "الحاجة المجتمعية" لمراجعة مدونة الأسرة

0 تعليق ارسل طباعة

تولى سعيد بنمبارك، المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، رصد بعض التحديات التي رافقت تنزيل مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي كانت ملحّة لوضع تصور لمراجعتها، مبينًا أن هذه النسخة المعمول بها منذ 20 سنة “كشفت عن ثلة من الإكراهات والمشاكل، من بينها ما كانت تعانيه الأم الحاضنة بسبب النيابة الشرعية وتعنت الآباء في منح الإذن، مثلاً، كي يدرس الابن أو الابنة خارج المملكة”.

بنمبارك أورد وهو يتحدث ضمن لقاء تواصلي نظمته الفدرالية الوطنية للمرأة التجمعية بتعاون مع التنسيقية الجهوية للحزب بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، أن “المثير للانتباه أن تعديل المدونة وظهور مقترحات الهيئة كشف عن وجود غضب من جانب الرجال والنساء”، موضحا أن “المقتضيات عموماً تشملهما معا وتطبق عليهما بنفس المنطق، حتى في مسألة إبعاد بيت الزوجية عن تقسيم الإرث أو حتى اقتسام الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية”.

وشدد القيادي في الحزب القائد للائتلاف الحكومي على أن “مشروع المراجعة يتوجه إلى طرفي الأسرة معًا، والغاية من استثناء بيت الزوجية من تقسيم الإرث هي حفظ سكن لائق للزوجة أو الزوج وللأبناء”، مذكراً كذلك بـ”وجود صعوبات كبيرة واجهتها المرأة المطلقة. لذا، المراجعة لا تصبّ في صالح الرجل أو المرأة بل في صالحهما معًا بالإضافة إلى أبنائهما”.

“ثورة تشريعية”

كاميليا بوطمو، محامية نائبة رئيس منظمة المحامين التجمعيين، ذكرت أن “خصوصية قانون الأسرة تكمن في أنه ينظم حياة الإنسان من ولادته حتى مماته”، مسترجعة “طابع القداسة” الذي كان “يحيط بمدونة الأحوال الشخصية عند إحداثها سنة 1957″، وزادت: “لم يكن لأي أحد الحق بالحديث عن الموضوع أو المطالبة بتعديل النص، ولكن سنة 1993 تم تكسير هذه القدسية بناءً على رؤية ملكية للمغفور له الحسن الثاني الذي استقبل الحركة النسائية وأعلن عن إحداث لجنة ملكية لمراجعة المدونة”.

وأوردت بوطمو في مداخلتها أن الفلسفة نفسها اعتمدها الملك محمد السادس سنة 2004، مشددة على وجود “رؤية ملكية استمعت إلى نبض المجتمع المغربي، فكان النص المعدل حينها في صيغته النهائية بمثابة قفزة نوعية؛ لأن المركز القانوني للمرأة تغير فصار لها الحق في طلب الطلاق والتعبير عن نفسها، كما تم تقييد التعدد، بالإضافة إلى التنصيص في الديباجة على الارتكاز على الشريعة وحقوق الإنسان”.

وسجلت المتحدثة أن “المدونة كانت ثورة تشريعية”، واستدركت: “لكن اليوم هناك مجموعة من المتغيرات، والمرأة حاليًا صارت منتجة ورقماً صعباً في الاقتصاد”، مبرزة أن “الحديث، مثلًا، عن اقتسام الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية هو مقتضى مغربي لصالح المرأة نحتاج الاحتكام إليه”، وقالت: “ليس تصوّراً غربيّا، بل موجودًا في الممارسة العرفية المغربية في صيغة عرف تمازالت المنتشر منذ أوقات مبكرة في مناطق الجنوب المغربي”.

“نرفض الوصاية”

محيي الدين حجاج، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، هاجم بلاغ رابطة علماء المغرب العربي، معتبرا أن “الموضوع مغربي”، ويتعلق “بالنبوغ المغربي من خلال الحفاظ على إمارة المؤمنين بوصفها مؤسسة فقدتها العديد من الشعوب في مختلف بقاع الأرض”، وقال: “لا أحد يستطيع أن يعلمنا أي شيء، وذلك الاتحاد مرفوض من اسمه ابتداء، ثم مضمون بيانه مرفوض منطقيا وتاريخيا وأخلاقيا”.

وقال حجاج في تدخّله إن “المجلس العلمي الأعلى مؤسسة وطنية كآلية إجرائية لا يمكن أن يجتمع أعضاؤه على ضلال وباطل”، مشيرا إلى أن النقاش يجب أن يكون حذرا، فلا يمكن مصادرة حق أي فرد أو جهة في التعبير عن تصورها، ولكن ليس بمنطق خطابات دخيلة على بيئة المغاربة”، وأضاف: “حتى من يدّعي أنه يساجل من زاوية دينية، فكل ما هنالك فقط أن الانتخابات اقتربت فتمت العودة إلى الخطاب الديني”.

قوانين إجرائية

الحسن بن الطيب، برلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، قال إن “مراجعة المدونة حاجة أساسية بالنظر إلى التغييرات التي حدثت والتطورات التي همت مكانة المرأة بشكل لم يعد ممكناً لأي شخص أن يلغي دورها في مجموعة من المجالات، حتى في الأعمال الأسرية”، وزاد: “هناك أمر مهم، وهو ليس المدونة في حد ذاتها وإنما القوانين المصاحبة لتنفيذ عناصرها، فالقوانين المصاحبة هي أجرأة المدونة وهي عنصر نجاحها”.

وشدد القيادي التجمعي في كلمته على أنه “لا يمكن في ظل الزخم التغييري تزكية خطاب تراجعي”، مبرزا أن “كل النقاشات جاءت لتؤكد مجموعة من المؤشرات التي تساند سمو المجتمع، وأهمها مدى تطور المرأة في المجتمع”، وقال: “لا يريدوننا أن نتحدث عن هذا الأمر، لأنه كلما ترافعنا عن المرأة وأدوارها، تفقد جهات ما صلاحيات كثيرة، وهذا رغم أننا اليوم نحتاج إلى تحقيق توازنات بين الحقوق والواجبات داخل الأسرة وفق منظومة شاملة”.

“مغالطات وأكاذيب”

عبد الكبير الصوصي، أكاديمي جامعي، قال إن “المغالطات والأكاذيب انتشرت بسرعة، للأسف، حول موضوع مدونة الأسرة”، مشددا على الحاجة القائمة والتعطش الظاهر للنقاش “الرسمي المؤطر بعيدًا عن الشعبوية”، وقال: “علينا أن نعرف أولاً أنه اليوم ليس ثمة مدونة أو مشروع، ولا حتى مسودة، الموجود هو أنه حتى لا يبقى النقاش في الشارع أخذه الملك وشكل لجنة من مؤسسات البلد ورفعت توصيات لتمنحها للحكومة”.

ولفت الصوصي إلى أن “عملية صياغة المسودة من طرف اللجنة ستنطلق، على أن تبدأ مسطرتها التشريعية حين تصير المسودة جاهزة وتعرض على المجلس الحكومي”، موردا: “اليوم لدينا مقترحات فقط، وهي عبارة عن مجموعة من الخطوط العريضة يمكن تسميتها توصيات، ترصد مسار الأسرة، في بدايته مع الخطبة والزواج وسريان العلاقة الزوجية والحقوق المتبادلة داخلها، ثم الطلاق إذا قدر الله، ومحور الإرث، وقبلهما توجد النيابة الشرعية”.

وأشار المتحدث إلى “أهمية توثيق الخطبة بالنظر إلى الكوارث التي كانت تحدث حين تكون الخطبة شفوية فقط”، مبرزا أنه “خلال هذه الفترة توجد هدايا ومهر، وكذا إمكانية وقوع حمل أثناء الخطبة، فينكره الخطيب”، وقال: “قبل التوثيق، كانت المسطرة معقدة والطرف الضعيف هو المرأة، أي الخطيبة. لذلك، الآن ونحن نتحدث عن التوثيق، لا بد من السماح بتحليل الحمض النووي، بالنظر لوجود فراغ في هذا الجانب لا بد من تداركه، خصوصًا إذا حدث حمل”.

“عبقرية وطنية”

أحمد البوكيلي، أستاذ متخصص في الفكر الإسلامي، تحدث عن “عبقرية ما يمكننا تسميته النموذج الحضاري للأمة المغربية في تدبير هذه الملفات، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، من موقع الوظيفة الروحية الممثلة في إمارة المؤمنين ودورها في تدبير هذا الملف”، مسجلًا أن “الإطار الضابط لفلسفة الإصلاح كان عاليًا جدًا على المستوى المنهجي والتصوري وطريقة الاشتغال”.

وأفاد البوكيلي بأن “المجتمع من جهة أخرى أخذ بعدًا كاريكاتوريًا للموضوع، ولم يعد التصور الضابط لهذه الفلسفة هو نفسه، فصارت اللغة فكاهية عملت على ترصيد حالة سيكولوجية مجتمعية وحالة ثقافية خطيرة”، مضيفا أن “الملك مثل قمة الحكمة عندما دعا الحكومة بكافة مكوناتها للتواصل مع المجتمع، والأكيد أن الأصل في الخطاب الملكي هو بناء الثقافة المجتمعية”.

وتابع شارحا: “الحكمة الملكية تبنت وتأصلت على مجموعة من القواعد، منها الاعتزاز بالانتماء لنموذج الأمة المغربية التي لا تتطلب الكثير من النقاشات لفك شفرات الكثير من القضايا”، منبّها في هذا السياق من “عودة الخطابات التي تذكرنا بمراحل سلبية وعودة الخطابات السياسية التي أرادت الركوب على الدين في موضوع المدونة لإعادة النقاش بكل حمولته الانتخابية”.

" frameborder="0">

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق