د. وائل كامل يكتب: "هل تُفقد الجامعة هيبتها عندما ...

0 تعليق ارسل طباعة

يُعتبر الأستاذ الجامعي رمزًا من رموز العلم والفكر في المجتمع، والمفترض أن له مكانة خاصة تستند إلى إنجازاته الأكاديمية وعمله المخلص في تربية الأجيال. أساتذة الجامعات هم الموجهون والمربون الذين يساهمون في بناء عقول الأفراد ورفع مستوى الفكر والمعرفة في المجتمع.

 ومن ثم، فإن كرامتهم وهيبتهم لا يجب أن تُمس أو تُقلل بأي شكل من الأشكال، إن مكانتهم في المجتمع الأكاديمي تقتضي احترامًا خاصًا، وينبغي أن تُحفظ حقوقهم كما هو الحال مع أي فئة أخرى تتمتع بخصائص ومهام استثنائية، مثل باقي الكوادر الخاصة الأخرى كالقضاة والدبلوماسيين والشرطة والجيش.

في الآونة الأخيرة، ظهرت مشكلة فرض تحليل المخدرات كشرط للترقية في أربعة جامعات فقط، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول تأثير هذا الإجراء على كرامة وهيبة أساتذة الجامعات ومكانتهم. إذا كانت الجامعات في المقام الأول هي بيئات للتفكير الأكاديمي الحر وتبادل المعرفة، فإن فرض مثل هذا الفحص يضع الأساتذة في موضع اتهام غير مبرر. فهل يفترض واضع هذا القرار أن أساتذة الجامعات متعاطون حتى يثبتوا عكس هذا الاتهام ويقدموا إثبات براءتهم؟!

قد يؤدي هذا إلى إضعاف الثقة في نزاهتهم المهنية وإثارة الشكوك حول كفاءتهم، ويضعف كرامتهم، رغم أنهم يُفترض أن يكونوا في موقع القدوة والاحترام. وعلى الدولة والمسؤولين أن يدعموا تلك النظرة والمكانة المرموقة، وليس انتقاصها وإثارة الشك فيهم.

إن الترقية في الجامعة تعتمد بشكل أساسي على الإنجازات العلمية والبحثية للأستاذ الجامعي، ولا يجب أن تُحمل على عاتقه شكوك تتعلق بممارسات شخصية غير موثقة واعتباره مدانًا حتى يثبت العكس، وتطبيق هذا على الأساتذة الجامعيين يُعد نوعًا من التمييز غير المبرر ضد فئة يُفترض أن تكون قدوة في السلوك والأخلاق وتحمل عاتق نهضة وتقدم هذا الوطن.

من المهم هنا الإشارة إلى أن المجتمع الجامعي يخضع لكادر وقانون خاص هو قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، الذي ينظم شؤون المجتمع الجامعي، وجميع الأمور المتعلقة بمسارهم الأكاديمي والمهني. هذا القانون يشمل نظام الترقيات داخل الجامعات، ولا علاقة له بالقوانين العامة الخاصة بالموظفين في الدولة، مثل قانون الخدمة المدنية. وبناءً عليه، فإن نظام الترقيات في الجامعات يتم تنظيمه وفقًا لهذه القواعد الخاصة بقانونهم ولا يمكن لقانون آخر (كقانون الخدمة المدنية) أن يُغيرها أو يؤثر عليها. هناك بعض الأمور التي قد يتم الرجوع فيها للقانون العام في حالة واحدة فقط وهي عدم وجودها بالقانون الخاص، مثل نظم الإجازات "العارضة والاعتيادي والمرضي" على سبيل المثال غير مذكورة تفصيليا بقانون تنظيم الجامعات ولهذا يتم الاستناد على القانون العام بشأنها، عكس الترقيات والتعيينات المذكورة بالقانون الخاص بكل وضوح. 


ما يحدث هو تعارض واضح وخطأ في فهم وتفسير القوانين وعلاقتها ببعضها البعض.

قانون تنظيم الجامعات يُعد القاعدة الأساسية التي تحدد شروط الترقية والتعيينات وتقييم الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، بينما قانون الخدمة المدنية يختص بالموظفين العموميين في الدولة بشكل عام، ولا علاقة له بنظم الترقية والتعيين الخاصة بالجامعات.

تعود الإشكالية إلى قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، الذي ينص في المادة 73 على ضرورة إجراء فحص طبي شامل للموظفين الراغبين في الترقية، بما في ذلك تحليل المخدرات. هذا الفحص يُعد جزءًا من شروط الترقية في جميع وظائف الدولة، ويشمل الموظفين في مختلف القطاعات الحكومية. ولكن هنا، يُثار تساؤل حول مدى ملاءمة تطبيق هذا الشرط على أساتذة الجامعات، الذين يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع المصري، ولهذا وُضع لهم قانون خاص ينظم أمورهم.

نفس تلك الإشكالية حدثت حين تم تعميم اعتبار العلاوات والبدلات نسبًا مقطوعة وثابته ومنفصله عن اي زيادات في اساسي الراتب، والذي صدر بقانون الموازنة العامة بالارتباط مع صدور قانون الخدمة المدنية، وهو ما قام المجتمع الجامعي بالطعن عليه، لأنهم ليسوا خاضعين للخدمة المدنية، وبالمناسبة، كل من رفع تلك القضية كسبها، ووقعت الجامعات ووزارة المالية في مأزق لتسديد مستحقاتهم المالية التي وصلت إلى أرقام كبيرة، والتي حتى الآن لم يتم سداد كافة المستحقات المالية لهم بسبب العجز المالي في الجامعات. فهل الجامعات الأربعة، بقرارهم الخاطئ هذا، على استعداد لتحمل مشاكل قضايا أخرى تحملهم تعويضات مادية وأدبية واتعاب محاماه ومجهودات بسبب هذا القرار؟.

 

في المقابل، نجد أن القضاة والدبلوماسيين وغيرهم من الكوادر الخاصة لا يُفرض عليهم مثل هذه الشروط. القضاة والدبلوماسيون وباقي الكوادر الخاصة يحظون بمعاملة تضمن احترام حقوقهم وحمايتهم من أي مساس بكرامتهم الشخصية، ولا يُطلب منهم إثبات خلوهم من تعاطي المخدرات، هذا التفاوت في التعامل يثير تساؤلات حول عدالة تطبيق هذه السياسات على أساتذة الجامعات. والأساتذة الجامعيين يجب أن يُعاملوا بمعاملة خاصة تحترم حقوقهم وكرامتهم وهيبتهم، كما هو الحال مع القضاة والدبلوماسيين.

 

يبقى السؤال:  
هل صدور مثل تلك القرارات وما يحدث هو محاولة لتقليص عدد المعينين بالحكومة كإستجابة لأوامر البنك الدولي ؟ لتوفير النفقات بتحجيم الترقيات.


وهل تحليل المخدرات هو حجة تحمل هدفًا معلنًا "هامشيًا" وهدفًا خفيًا "هامًا وأساسيًا" من قبل المسئولين.
الهدف المعلن الهامشي هو ضمان مجتمع خالٍ من المخدرات، أما الأساسي فهو تخفيض الأعداد، نظرًا لأن عقود تعيينهم دائمة ولا مجال لإنهاء تلك العقود إلا باستحداث أبواب خلفية لانهاء تلك العقود، وما يطلقون عليه "برامج الإصلاح الاقتصادي" الذي لم نلمس منه أي إصلاح! حيث يمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى فصل المعينين بعقود دائمة ممن يُثبت عليهم تعاطي المخدرات، وبالتالي تقليص أعدادهم. فهل هذا الإجراء يصح لتطبيقه على المجتمع الجامعي؟! وقد يكون هناك أعضاء تدريس مرضى وموصوف لهم بعض الأدوية غير الممنوعة والتي قد يراها التحليل بالخطأ على أنها مخدرات، مثل بعض أدوية القولون والمسكنات وبعض أدوية الحساسية والتهاب الأعصاب، مما قد يكون سببًا لعدم تقدمهم للترقي، وبالتالي توفير درجاتهم المالية.

فهل فرض تحليل المخدرات على أعضاء هيئة التدريس هو جزءٌ من هذه السياسات التي تهدف إلى تقليل عددهم، رغم أن هذا الإجراء قد يُثير تساؤلات هامة جدًا حول كرامة الأكاديميين وحريتهم الشخصية ووضع التعليم الجامعي في مصر؟.

إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق