شهر رمضان يُحفز "الطلب الموسمي" .. وانتشار الوسطاء يفاقم الغلاء

0 تعليق ارسل طباعة

مع اقتراب رمضان يتحسّس المغاربة جيوبهم خوفاً من تداعيات “دورة تضخمية جديدة” بدأت تطل برأسها على بُعد أقل من شهرين من حلول شهر الصيام.

النقاش المتجدد حول الأسعار قُبيل كل رمضان لم يعُد حبيس عمليات مراقبة الأسواق، التي تقوم بها السلطات “بشكل اعتيادي موسمي”، مع تشديدها خلال هذه الفترة من السنة، المعروفة بزيادة الاستهلاك والإنفاق، بما يسائل الوضعية المالية لمعظم الأسر المغربية التي قد تجد نفسها عنصراً من عناصر “متتالية الاقتراض”.

بيانات رسمية كاشفة صدرت عن أعلى مؤسسة إحصائية مغربية (مندوبية التخطيط) أكدت أن تصور الأسر لـ”تطور وضعيتها المالية خلال 12 شهرا المقبلة” مازال “سلبياً” بنِسب مقلقة. وخلال الفصل الرابع 2024 (الأشهر الثلاثة الأخيرة) صرحت 56,5 في المائة من الأسر بأن “مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 41,2 في المائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض”؛ بينما “لم يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 2,3 في المائة”.

وخلال الفصل الرابع من سنة 2024 صرحت غالبية الأسر (97,5%) بأن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة. أما بخصوص تطور الأسعار ذاتها خلال 12 شهرا المقبلة فتتوقع 83,3% من الأسر “استمرارها في الارتفاع”، في حين لا يتجاوز معدل الأسر التي تنتظر انخفاضها 1,5%. وهكذا، استقر رصيد هذه الآراء في مستوى سلبي بلغ ناقص 81,8 نقطة عوض ناقص 83,5 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، وناقص 77,6 نقطة المسجلة خلال الفصل ذاته عامًا قبل ذلك.

“الطلب الموسمي المتزايد”

محمد عادل إيشو، أستاذ العلوم الاقتصادية والتدبير بجامعة بني ملال، قال إن “هناك توقعات أن تشهد أسعار المواد الغذائية في المغرب ارتفاعًا ملحوظا مع اقتراب رمضان، مدفوعا بالعوامل المتشابكة التي تشمل تأثيرات موسمية، وعوامل هيكلية مرتبطة بالاقتصاد الوطني، فضلاً عن الضغوط الخارجية”، وزاد: “تشير التوقعات الاقتصادية، كما ورد في الميزانية الاقتصادية التوقعية 2025، إلى أن معدل التضخم سيتراجع إلى 1.8% في 2024 مقارنة بـ 6.4% في 2023، ما قد يحدّ جزئيًا من تأثير ارتفاع الأسعار، لكنه لن يُلغيه تمامًا، خاصة في ظل ارتفاع الطلب الموسمي خلال رمضان”.

ووفق إيشو، وهو يقدم تعليقا تحليليا لجريدة هسبريس، فسيناريو ارتفاع الأسعار خلال الشهر الكريم محتمل حسب أسباب رئيسية، “يأتي في مقدمتها العامل الموسمي المتمثل في الزيادة الحادّة في الطلب على المواد الغذائية الأساسية، مثل اللحوم، والخضروات، والحلويات… ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية قصيرة الأمد نتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب”، مشيرا إلى البيانات التي تفيد بأن “الاستهلاك النهائي للأسر يُتوقع أن ينمو بـ 2.2% في 2024 مقارنة بـ3.7% في 2023، ما يعكس توقعات بانخفاض القدرة الشرائية للأسر مقارنة بالأعوام السابقة، ما قد يفاقم من التأثير النفسي لتوقعات ارتفاع الأسعار على سلوك المستهلكين”.

عوامل هيكلية

هيكليًا فإن العوامل المناخية لها “دور جوهري في تحديد أسعار المواد الغذائية”، بانخفاض بـ33% في المساحات المزروعة بالحبوب وفق المعطيات الحديثة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 43% مقارنة بالموسم السابق، وفق المتحدث ذاته، خالصا إلى أن ذلك “يفسر إلى حد كبير استمرار الضغط على أسعار المواد الغذائية، خاصة المنتجات الزراعية التي تعتمد بشكل كبير على وفرة المياه وتغيرات المناخ”.

واتفق الخبير المالي مع ما ذهبت إليه مندوبية التخطيط في آخر وثائقها (الميزانية التوقعية 2025) حول “الضغوط التضخمية في الأسواق العالمية كعاملٍ مؤثر على الأسعار في المغرب، نظرًا لاعتماد البلاد على الواردات الغذائية لتغطية العجز المحلي، إذ يُتوقع أن ترتفع قيمة الواردات بنسبة 8% خلال 2024″، معتبرا أن ذلك “يضيف، فعلا، مزيدًا من الضغوط على السوق المحلية، ويحدّ من القدرة على استقرار الأسعار”.

ومن منظور أكاديمي أجمل أستاذ الاقتصاد قائلا: “يمكن تفسير هذه التغيرات وفق نظرية ‘الطلب الموسمي المتزايد’، إذ تتسبب الزيادات المفاجئة في الاستهلاك في رفع الأسعار في الأسواق التي تعاني أصلًا من مشاكل في العرض، كما أن نظرية ‘التوقعات التكيّفية’ تشير إلى أن المستهلكين، بناءً على تجاربهم السابقة، يتوقعون ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة، ما قد يؤدي إلى ‘سلوكات/تصرفات شرائية احترازية’ تزيد من الضغط على الأسواق”.

وخلص المحلل ذاته بناءً على هذه العوامل إلى أن “استشراف سيناريو ارتفاع الأسعار بنسبة معتدلة إلى مرتفعة خلال شهر رمضان يبقى واردًا، مع وجود تفاوت بين المنتجات بحسب وفرتها في السوق”، خاتما: “قد يتم احتواء جزء من هذا الارتفاع عبر السياسات الحكومية الرامية إلى تعزيز الإمدادات، لكن التأثير الكامل سيعتمد بشكل أساسي على مدى تحسن الظروف المناخية واستقرار الأسواق الدولية”.

“المضاربات تزيد معاناة الأسر”

من جانبه يرى محمد جدري، باحث ومحلل في الشؤون الاقتصادية، أن “الأرقام الواردة من المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن نفسها، إذ نبّهت إلى أن 90% من الأسر المغربية قد لا تتمكن من الادخار في الأشهر الـ12 القادمة، في ظل استمرار ملحوظ لأثر الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل اللحوم الحمراء والبيضاء (الدواجن) والأسماك”، بمختلف أسواق المغرب.

وتابع جدري، ضمن تصريح لهسبريس، بأن “استعدادات المغاربة لاستقبال شهر رمضان عادة ما تزيد من الطلب على السلع الغذائية، خصوصا الأكثر استهلاكا”، بعيداً عن استحضار تسارع التأثيرات المناخية وتقلبات السوق الدولية لبعض المنتجات الغذائية المستوردة.

وأبرز المحلل الاقتصادي ذاته أن “هذه العوامل التي تساهم في إذكاء نار الغلاء في الأسعار قبيل حلول رمضان مازالت نفسها التي كانت خلال السنوات الثلاث الماضية”، وقال إن “الجفاف الحالي يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني وأسعار المواد الغذائية، بشكل لم يعد خافياً”.

كما شدد المتحدث على أن “سلاسل الإنتاج والتسويق تتضمن وسطاء ومضاربين يحتكرون السلع لتحقيق مكاسب غير مشروعة، والانتفاع من أزمات المغاربة”، وأفاد بأنه “من المتوقع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية – على الأقل – حتى نهاية شهر رمضان (نهاية الفصل الأول من العام الجاري)”.

ولفت جدري، ضمن حديثه للجريدة، إلى أن “الوضع الحالي يعكس تحديات كبيرة تواجه الأسر المغربية في القدرة على الادخار وضمان شراء الحاجيات والسلع المستديمة”، منبها إلى كون “الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى استغلال بعض الأطراف والوسطاء الأوضاع لتحقيق أرباح غير مشروعة”، وفق توصيفه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق