ضرب الزوجة...

0 تعليق ارسل طباعة

نظل نسمع في القنوات الرقمية الفضائية والمواقع الاجتماعية شيوخ الإفتاء يتفقون على معايير ضرب الزوجة، وأكثرهم إشفاقا عليها يوصي بتجنب كسر عظامها أو جرح جسدها أو ترك عيب في وجهها، ثم يوصون بالطريقة الأنسب لتأديبها دون تبريح. لا أحد منهم يتكلم عن الافتراق درءً لما لا تحمد عقباه في العلاقات الزوجية. فقد تدافع المرأة عن نفسها فتضرب زوجها بسكين أو تدفعه في سلم طويل أو تنتقم منه بتسميمه أو تنتحر حاملة معها أولادها إلى الموت في رد فعل على الضرب.

لماذا ننتظر حتى تتحول العلاقة إلى سب وشتم وضرب وانتقام وغيره؟ أليس هناك فراق بمعروف؟ المنطق يقول إنه إذا استحالت الحياة الزوجية فلا مجال لرتق ما لا يرتق؟ ثم ما معنى تأديب الزوجة؟ هل يكون الزوج وحده المخول له هذا الحق؟ بمنطق القوة أم بمنطق العقل؟ وهل تعتبر المرأة قاصرة حتى تتعرض للعقاب تأديبا لها؟ وإذا كان الزوج يرجع إلى البيت مخمورا في دجى الليل وينتزع زوجته من نومها لتُهيئَ له العشاء، أو يفرض عليها الجماع ضد عدم رغبتها (الساعة لله) ألا يستحق التأديب؟ وإذا كان يسهر مع الداعرات وتعلم هي ذلك وتتحقق منه، فمن يؤدب الآخر؟

ندور في حلقة مفرغة فنصل إلى حقيقة مرة، هي أن القوة العضلية، مضافا إليها التأويلات المنحازة، تحوّل الرجل إلى وحش محمي من أي عقاب، مالكا لكل الحقوق.

نحن شعب لا نطبق شرع اليد ولا شريعة داعش وأشباهها وإنما نحن يحكمنا قانون مدني معاصر، يعتبر ضرب الزوجة مثل ضرب أي امرأة في الشارع لا علاقة لها بضاربها، أي أن الزوج يتحول إلى معتدٍ يقع تحت طائلة القانون الجنائي. وإذا كان بعض المتحمسين لفتوى التلفزيون والإنترنيت يندفعون مستسهلين “تأديب” زوجاتهم فعليهم أن يضعوا أمامهم فصول الجنح والجنايات قبل تطبيق “شرع الله”

وقد تُراجعُ حالات الطلاق في المغرب فتجد أن سوادها الأعظم راجع إلى العنف الحاصل بين الزوجين لا إلى سوء تأويل مدونة الأسرة، خاصة من جانب صاحب العضلات القوية الذي يستعبد زوجته ويجعلها خاضعة لمقاييس “بيت الطاعة” فكيف نربي أبناءنا في هذا الجو الرهيب من التأديب والضرب “غير المبرح”؟

حتى جرائم الشرف لا مكان لها في الحياة المعاصرة إلا إذا كانت دفاعا من الأنثى عن اغتصاب محتمل بحجج قوية أو شهود، وإلا فإن الرجل الذي يجد زوجته في حضن غيره عليه إثبات هذه الخيانة عبر اللجوء إلى القانون. قد يُقبل منه بعض العنف الذي يوجد له عذر عاطفي انفعالي، أما قتل الزوجة وعشيقها فلا عذر له.

لقد انتقلنا من نظام قبلي أو شبه حضري إلى حياة مدنية واسعة، عبارة عن تجمعات سكنية تفوق الخمسين ألف ساكن، بكل ما تحبل به من علاقات اجتماعية واقتصادية ونفسية معقدة، تدفع إلى التوتر بين الناس أكثر مما تفتح أبصارهم على خطورة ما تجني أيديهم. والمجتمع المغربي لا زال يعيش الماضي بكل تفاصيله، ولا يزال الناس يقولون أن العصا خرجت من الجنة، وبعضهم يقول للمدرس “أنت اقتل وانا ندفن” بينما مياه التحولات التاريخية تمر تحت أرجلنا ونحن بلا بوصلة.

إن الرجولة لا تحتسب بعدد اللكمات والكدمات وتكسير العظام وفتح شرايين الدماء وإنما تحتسب بالعفو عند المقدرة ورباطة الجأش والحكمة التي تجعل الزوج والزوجة لا يحافظان على اللمة الأسرية بالعنف وإنما بالإحسان وفعل الخير وعدم الإساءة لا باللسان ولا باليد. وإذا استحالت الحياة الزوجية فتسريح بإحسان، “وكل غازي يقصد بَلْدو”

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق