تمثّل جهود أرامكو لمواجهة تغير المناخ أحد المحاور الرئيسة في إستراتيجية المملكة العربية السعودية لتحقيق الحياد الكربوني والإسهام في التحركات العالمية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
وتستثمر عملاقة النفط السعودية في الحلول المستمدة من الطبيعة ضمن إطار طموحاتها لتعزيز التنوع الحيوي والخدمات التي تقدّمها الأنظمة البيئية، للتصدي للتغير المناخي والتحديات البيئية الأخرى.
وتتضمن جهود أرامكو لمواجهة تغير المناخ، وفق بيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، عددًا من الحلول الطبيعية، في مقدّمتها زراعة أشجار المانغروف، وحماية الأراضي الرطبة في المملكة، وترميم الشُّعَب المرجانية في السعودية وخارجها.
وتقدّم النظم البيئية الطبيعية من المحيطات إلى الغابات المطيرة، ومن المراعي إلى أشجار المانغروف، مجموعة من خدمات النظم البيئية، والعديد من الفوائد التي يحصل عليها الإنسان، بما في ذلك الغذاء والمياه والهواء النقيَّين وتلقيح النبات والمواد اللازمة للدواء والمأوى.
جهود أرامكو لمواجهة تغير المناخ
تضخ أرامكو السعودية استثمارات مستدامة في مشروعات تُعنى بالحلول المستمدة من الطبيعة، بهدف المساعدة في تحسين الموائل الطبيعية وحماية الموارد المشتركة، بما يتماشى مع طموحها في تعزيز التنوع الحيوي وخدمات النظم البيئية.
وتشكّل زراعة وترميم غابات المانغروف في المملكة العربية السعودية أحد الحلول المستمدة من الطبيعة التي تسعى إليها أرامكو.
وأثبتت غابات المانغروف أنها ليست فقط وسائل ممتازة لاحتجاز الكربون، بل إن شبكة جذورها المتشابكة القوية تشكّل هياكل معقّدة فوق سطح المياه التي تنمو فيها وتحتها، مما يوفر موائل تمدّ النباتات الأخرى والطيور والحياة البحرية بمصادر الغذاء والمأوى.
وفي عام 1993، بدأت أرامكو بزراعة أول شتلات أشجار المانغروف في المملكة، على طول ساحل المنطقة الشرقية، محاولةً للمساعدة على إعادة الغابات المحلية إلى ما كانت عليه على طول شواطئ الخليج العربي.
وبدءًا من عام 2020، بدأت عملاقة النفط السعودية في تكثيف زراعة أشجار المانغروف ضمن إطار برنامجها لتخفيف انبعاثات غازات الدفيئة، إذ زُرِعَت مليونا شجرة مانغروف في عام واحد.
وحتى نهاية عام 2023، زرعت أرامكو السعودية ما يزيد على 30 مليون شجرة مانغروف، وتهدف إلى زراعة 300 مليون شجرة مانغروف في المملكة بحلول عام 2035.
وأنشأت أرامكو أيضًا في عام 2021 متنزه المانغروف البيئي في خليج رحيمة في رأس تنورة، وهو أول متنزه لأشجار المانغروف في المملكة أُنشئ بهدف حماية النظم البيئية لأشجار المانغروف الموجودة طبيعيًا في المنطقة التي تشمل غابات المانغروف المهمة، والمستنقعات المالحة، ومراعي الأعشاب البحرية.
ويتميز المتنزه المفتوح للزوار الذي تبلغ مساحته 64 كيلومترًا مربعًا، بوجود منصات علوية للمشاهدة وممرات خشبية، تُقدِّم للزوّار فرصة للتعرّف على غابات المانغروف وفوائدها.
كما يضم المتنزه مختبرًا ميدانيًا في الموقع يدعم دراسات التنوع الحيوي الساحلي، ومشتلًا لأشجار المانغروف يوفر مساحة لزراعة الشتلات ورعايتها، قبل نقلها بعناية إلى غابات المانغروف في رأس تنورة.
حماية الأراضي الرطبة
تغطي استثمارات أرامكو في الحلول المستمدة من الطبيعة، إلى جانب الجهود المبذولة في زراعة أشجار المانغروف، مشروعات ترمي إلى استعادة الأراضي الرطبة الطبيعية في المملكة وحمايتها.
وتشكّل الأراضي الرطبة موئلًا للعديد من أنواع النباتات والحيوانات، وحمايتها تُسهم في تزويد التجمعات النباتية المجاورة بقدر أكبر من الصلابة في مواجهة آثار المخاطر الطبيعية، مثل: الفيضانات، أو الجفاف، أو الأضرار الناجمة عن العواصف، وتوفر في الوقت نفسه، للكائنات التي تعيش فيها، قدرة أفضل على الوصول للمياه العذبة والمصادر الغذائية.
وفي عام 2016، عكفت أرامكو على استعادة الأراضي الرطبة في بقيق، الواقعة بالقرب من مرفق معامل بقيق في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، إذ عملت الفِرَق على تنظيف هذه الأراضي الرطبة الطبيعية، التي حوّلها القاطنون مكبًّا للتخلص من النفايات الصلبة غير الخطرة، وإعادتها إلى حالتها الطبيعية.
وصنّفت الشركة هذه الأراضي الرطبة ضمن مناطق أرامكو السعودية المخصصة لحماية التنوع الحيوي، وشرعت في تسوير الموقع حتى لا تتعرض المنطقة للمزيد من تفريغ النفايات غير المسموح به نظامًا.
وفي عام 2018، زرعت أرامكو 25 ألف شجرة محلية في الموقع لتكون موائل إضافية لتوفير بيئة آمنة للحياة البرية المحلية تحتضن العديد من أنواع الطيور المهاجرة والطيور التي تتخذ المناطق الرطبة موطنًا لها، مثل مرزة المستنقعات الغربية، والخرشنة القزوينية، والمرعة الرقطاء.
حماية الشعاب المرجانية
تستثمر أرامكو أيضًا في حل آخر مستمد من الطبيعة، وهو الشعاب المرجانية، التي يمكن الانتفاع منها، عندما تكون في أفضل حالاتها، مثل أحواض امتصاص لثاني أكسيد الكربون من الجو، إضافةً إلى منافعها الأخرى في دعم الحياة البحرية، وحماية السواحل في المجتمعات الساحلية، وتوفير الغذاء والأمن الاقتصادي لما يُقدّر بمليار نسمة حول العالم.
وتقدّم أرامكو دعمها لحماية الشعاب المرجانية واستعادتها على نطاق دولي، بالشراكة مع مؤسسات البحوث المحلية، إذ دأبت الشركة على العمل مع اتحاد الحفاظ على الشعاب المرجانية في أوكيناوا باليابان، منذ عام 2011، للتعاون من أجل الحفاظ على الشعاب المرجانية في مدينة أوكيناوا اليابانية من خلال إجراء الدراسات البيئية البحرية، والأبحاث، والبرامج التعليمية.
وفي سنغافورة، دخلت أرامكو في شراكة مع مجلس الحدائق الوطنية عام 2021، من أجل التطبيق التجريبي لتقنية تهدف إلى تحفيز نمو الشعاب المرجانية الصلبة من خلال تعريضها لكهرباء منخفضة الجهد.
ومنذ عام 2020، لم تتوانَ الشركة عن دعم الجهود الرامية إلى إنقاذ الشعاب المرجانية وإعادة بناء هياكلها في المياه الساحلية للولايات المتحدة والأقاليم التابعة لها، بموجب شراكة عقدتها لتقديم المنح مع المؤسسة الوطنية للأسماك والحياة البرية.
وتشمل استثمارات أرامكو في سبيل الحفاظ على الشعاب المرجانية:
- اتخاذ تدابير تهدف إلى الحدّ من التهديدات المحدقة بأحواض زراعة الشعاب المرجانية المهمّة.
- تعزيز استعادة الشعاب المرجانية لما يُقدَّر بنحو ألف فدان من الشعاب المرجانية المتضررة أو المتدهورة.
- تشجيع إدارة المشروعات بكفاءة بالاستعانة بالعلوم التطبيقية في مجال الشعاب المرجانية.
- اختبار أفضل الممارسات الإدارية والعمل على تحسينها، وتوثيق دراسات الحالة.
- نشر المعلومات حتى تنتفع بها الأوساط الأخرى المهتمة بالحفاظ على الشعاب المرجانية.
وفي عام 2021، موّلت أرامكو ترميم العديد من الشعاب المرجانية عبر جزر فلوريدا كيز المرجانية، وفي سبتمبر/أيلول 2024، موّلت أيضًا الجهود الرامية إلى تحسين جودة وقوة المزيد من الشعاب المرجانية في فلوريدا، بالإضافة إلى الشعب المرجانية في هاواي، وبورتو ريكو، وساموا الأميركية، وجزر العذراء الأميركية.
إلى جانب جهود أرامكو أيضًا في زراعة الشعب المرجانية الاصطناعية في الخليج العربي والبحر الأحمر، بدأت من عام 2019 بتصميم وصناعة بلوكات خرسانية بمواصفات خاصة لنمو الشعب المرجانية الاصطناعية، وأجرت عليها اختبارات مكثفة، وهي قوالب مصنوعة من الخرسانة البحرية تتميز بصلابتها واستدامتها، ووزّعتها الشركة بعلى 41 موقعًا (في أواخر عام 2024).
وبالتعاون مع جامعة الملك فيصل، تضطلع أرامكو بمراقبة الشعاب المرجانية الاصطناعية عن كثب، لاستخلاص البيانات حول فعاليتها في تعزيز التنوع الحيوي البحري.
الحلول المستمدة من الطبيعة
يُعرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الحلولَ المستمدة من الطبيعة بأنها إجراءات لحماية النظم البيئية الطبيعية والمعدّلة، أو إدارتها بشكل مستدام أو ترميمها.
وتساعد هذه الحلول في التعامل مع التحديات المجتمعية، مثل: تغير المناخ، وصحة الإنسان، والأمن الغذائي والمائي، والحدّ من مخاطر الكوارث بفعالية وقابلية للتكيف، مع ضمان صحة البشر وعافيتهم وتحقيق فوائد على صعيد التنوع الحيوي أيضًا.
ففي ظل التحديات البيئية المتزايدة التي يواجهها الكوكب يزداد رواج الحلول المستمدة من الطبيعة، مثل المشروعات والبرامج التي توفر النظم البيئية بصفتها وسيلة تعمل في انسجام مع الطبيعة للتغلب على هذه التحديات.
ويُعَدّ الاحتجاز المحسّن للكربون من المزايا الرئيسة للحلول المستمدة من الطبيعة، من خلال استخلاص وتخزين غازات الدفيئة، التي تعدّ المسبّب الأكثر أهمية في تغير المناخ، فمع الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، مثل المحيطات والغابات، فإنها لا تمتص غازات الدفيئة فحسب، بل تضمن احتجازها على المدى الطويل.
وتشمل النتائج المفيدة الأخرى للحلول المستمدة من الطبيعة، الحدّ من مخاطر الفيضانات، وتحسين جودة الهواء والمياه.
وتوجد العديد من الأمثلة للحلول المستمدة من الطبيعة المطبّقة عمليًا في جميع أنحاء العالم، مثل:
- مشروعات زراعة الأشجار لحماية المباني من الحرارة.
- استعادة الأراضي الرطبة لاحتجاز الكربون وحماية الأرواح البشرية والأصول الاقتصادية من الفيضانات.
- زراعة أشجار المانغروف لكبح هبوب العواصف في المناطق الساحلية، والحراجة الزراعية.
وتتضمن الحلول المستمدة من الطبيعة (ونظام لإدارة استخدام الأراضي) دمج زراعة الأشجار والشجيرات مع زراعة المحاصيل وتربية الماشية، لتحسين جودة التربة وتوفير فرص أفضل للوصول إلى الحطب ومصادر الغذاء.
كما توجد مجموعة من الحلول المستمدة من الطبيعة، تُعرَف بحلول المناخ الطبيعية، وهي إجراءات مأخوذة من الطبيعة تُستَعمَل خصوصًا للتخفيف من تغير المناخ، إذ تساعد هذه الحلول في تبريد الكوكب بـ3 طرق:
الأولى: حماية النظم البيئية القائمة
مثل الجهود المبذولة لحماية الغابات السليمة عن طريق الحدّ من إزالتها، وتشمل هذه الجهود مشروعات الحفاظ على الغابات لمعالجة أسباب إزالة الأشجار والتجمعات النباتية المحلية.
وتعمل هذه الغابات الناضجة مثل أحواض ماصّة للكربون، حيث تمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
ومن منطلق أن ثاني أكسيد الكربون هو غاز الدفيئة المسؤول أساسًا عن حبس الحرارة والتسبب في ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض، يبرز دور الغابات الحاسم في تقليل مستوياته لإبطاء معدل ظاهرة الاحتباس الحراري.
الثانية: ترميم النظم البيئية وتوسعة رقعتها
مثل زراعة غابات جديدة من أشجار المانغروف، أو ترميم الغابات المتضررة أو المتدهورة أو المدمرة، إذ إن أشجار المانغروف قادرة على احتجاز الكربون بامتياز، وتستخرج ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزّنه في جذورها وفروعها، وكذلك في الرواسب التي تتجمع حولها.
وبمجرد احتجاز هذا الكربون، يمكن للرواسب الساحلية لأشجار المانغروف تخزين الكربون المستخلص لآلاف السنين إذا تُركت غابات المانغروف دون تدخُّل.
الثالثة: الحلول الطبيعية لمواجهة تغير المناخ
من خلال الإدارة المستدامة للأراضي (SLM)، إذ تُعرّف الأمم المتحدة الإدارةَ المستدامة للأراضي بأنها "استعمال موارد الأراضي لإنتاج سلع تلبي الاحتياجات البشرية المتغيرة، مع ضمان الإمكانات الإنتاجية لهذه الموارد على المدى الطويل، والحفاظ على وظائفها البيئية.
وتشمل تكتيكاتها السيطرة على تآكل التربة، وإدارة وتعزيز خصوبة التربة، وتحسين قدرة الأراضي الزراعية على الاحتفاظ بالمياه، وزيادة مستويات المادة العضوية، والتنوع الحيوي في التربة، للمساعدة في استخلاص الكربون.
وتعدّ الحلول المستمدة من الطبيعة غير مكلفة اقتصاديًا بالنظر إلى حجم الكوارث التي تحدّ منها، بدءًا من الفيضانات والأعاصير، وصولًا إلى موجات الحر والانهيارات الأرضية، التي يُتوقع أن تزداد حدّةً مع استمرار حرارة الأرض بالازدياد.
وخلصت ورقة بحثية -منشورة في عام 2024، تناولت دراسات نشرت باللغة الإنجليزية بين عامي 2000 و2021 وخضعت لمراجعات النظراء- إلى أن 71% من الدراسات أشارت إلى أن هذه الحلول أثبتت أنها طريقة اقتصادية للحدّ من المخاطر، ووجدت 24% من الدراسات أن هذه الحلول لا تكون اقتصادية إلّا في ظروف معيّنة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق