الكونغوليون حائرون بين جيش ضعيف وتمرد عنيف.. أي طريق يسلكون؟

0 تعليق ارسل طباعة

جيسيني (رواندا) - أ ب
نشر في: الخميس 30 يناير 2025 - 10:03 ص | آخر تحديث: الخميس 30 يناير 2025 - 10:03 ص

يواجه ملايين الأشخاص العالقون في تصاعد التمرد في شرق الكونغو خيارا صعبا، إما التراجع إلى داخل الكونغو والاعتماد على حماية جيش ضعيف ومضطرب، أو العبور إلى رواندا المجاورة، والتي تُتهم بدعم المتمردين.

إن التقدم السريع وغير المُتصدى له للمتمردين والذي أسفر عن السيطرة على مدينة جوما، أكبر مدن المنطقة، هذا الأسبوع، أثار تساؤلات جديدة حول عجز القوات الكونغولية وحلفائها عن حماية المدنيين، في ظل عودة الصراع الأفريقي المستمر منذ عقود على بُعد نحو ألف ميل من العاصمة الكونغولية وخطوات قليلة من رواندا.

وقالت إيماني زوادي، التي فرت إلى رواندا من قريتها في ضواحي جوما، المدينة التي يقطنها مليونا شخص: "من جهة، هناك قوة أجنبية لا يمكنك الوثوق بها تماما، ومن الجهة الأخرى هناك جيش ضعيف وفاسد، لذا ليس لديك أحد تثق به."

وتجسد مخاوفها مشاعر العديد من الكونغوليين الذين شردهم العنف الذي يمارسه متمردو حركة "إم 23" على مدى السنوات الماضية. وحتى الآن، لجأ أكثر من 1200 كونغولي، من بينهم جنود مستسلمون، إلى رواندا منذ دخول المتمردين إلى جوما، حيث أغلقوا المطار وأغرقوا المستشفيات بالمصابين.

وهذه المرة، تثار مخاوف من أن حركة "إم 23" ستحتفظ بمدينة جوما كمنطقة عازلة، بينما تعيد رواندا رسم الحدود فعليا مع جارتها الأكبر بكثير في منطقة تُقدر ثرواتها المعدنية غير المستغلة بتريليونات الدولارات، وتشمل معادن مثل الكوبالت والذهب. ويقول قادة المتمردين إنهم يخططون لإنشاء إدارة في المدينة.

وحقق المتمردون عدة انتصارات على حساب الجيش الكونغولي الأكبر حجما، والذي يحظى بدعم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المؤلفة من 14 ألف جندي، بالإضافة إلى قوات من دول أفريقية نشرت تحت مظلة تكتل إقليمي. كما يوجد حتى متعاقدون عسكريون رومانيون، تصفهم السلطات الرواندية بالمرتزقة، وتقول إن عددهم يقارب 200 فرد.

وركع أحد الرومانيين على الأرض ويداه خلف رأسه، بينما سعى المتمردون إلى دفعه وآخرين نحو معبر الحدود.

ويمثل تقدم المتمردين خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2024، ويعيد إلى الأذهان سيطرة حركة "أم 23" على جوما قبل أكثر من عقد، والتي لم تدم طويلا بسبب الضغوط الدولية التي أجبرت رواندا على التراجع.

وتنفي رواندا، التي طالما رفضت اتهامات دعمها لحركة "إم 23" رغم الأدلة التي جمعها خبراء الأمم المتحدة، أي علاقة لها بالمتمردين، مؤكدة أنها تسعى فقط لحماية عرقية التوتسي في الكونغو، حتى في الوقت الذي يُتهم فيه قادة المتمردين باستغلال المعادن والموارد الطبيعية في المناطق التي يسيطرون عليها. ويُقدِّر خبراء الأمم المتحدة أن هناك ما يصل إلى أربعة آلاف جندي رواندي داخل الكونغو.

وقال رئيس رواندا، بول كاجامي، الذي قاد تعافي بلاده من الإبادة الجماعية عام 1994 التي أودت بحياة نحو 800 ألف شخص من التوتسي والهوتو المعتدلين، خلال مأدبة غداء مع دبلوماسيين في العاصمة كيجالي هذا الشهر إن مخاوفه بشأن التهديد المحتمل في الكونغو لا تزال قوية.

وقال كاجامي في 16 يناير: "الأشخاص أنفسهم الذين ارتكبوا المجازر هنا في رواندا، والذين نفذوا الإبادة الجماعية، لا يزالون موجودين، لا يزالون مسلحين، ولا يزالون يروجون لأيديولوجية الإبادة الجماعية في منطقتنا، في شرق الكونغو. هؤلاء مدعومون من الحكومة، ومدعومون من القادة هناك، وتحت أنظار المجتمع الدولي الذي يتحدث عن القيم والمصالح."

وأضاف كاجامي أن مسألة كيفية حماية التوتسي الكونغوليين هي إحدى القضايا التي يجب على قادة الكونغو معالجتها في أي مفاوضات مع حركة "إم 23" إلى جانب مخاوف رواندا من أن الجماعات المتمردة الأخرى، ضمن العشرات النشطة في شرق الكونغو، تشكل تهديدا أمنيا.

وتؤكد السلطات الرواندية أن جماعة متمردة تُعرف بالاختصار (إف دي إل آر)، والتي تضم بين صفوفها متهمين بارتكاب الإبادة الجماعية "مُدمجة بالكامل" في الجيش الكونغولي، وهو ما تنفيه الأخيرة.

وكان الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، قد استبعد سابقا الدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة "إم 23"، واقتصرت محادثات السلام التي أدت إلى وقف إطلاق النار العام الماضي على مفاوضات بين الكونغو ورواندا بوساطة أنجولا. لكن سيطرة المتمردين على مدينة جوما، والتي أشعلت احتجاجات عنيفة في العاصمة كينشاسا تنديدا بما وصفه السكان بتقاعس المجتمع الدولي، قد تجبره على إعادة النظر في موقفه.

ودفعت مواقف كاجامي الصارمة بشأن فرض الأمن في شرق الكونغو بعض المثقفين المؤيدين له في المنطقة إلى اقتراح أن يكون النفوذ الرواندي على المنطقة هو الحل الأفضل للمدنيين.

لكن بعض هؤلاء المدنيين الفارين إلى رواندا كان لهم رأي آخر.

وقالت روز كليمنسي، وهي واحدة من الفارين: "الحقيقة هي أن رواندا تحاول الاستيلاء على أرضنا، لكن هذا لن يكون ممكنا مهما طال الزمن."

وأقرت المهندسة الكهربائية بقولها: "بالطبع جيشنا ضعيف، ونحن نلوم الحكومة لعدم تمكين الجيش من الدفاع عن أراضينا ضد الجنود الروانديين ." لكنها أكدت أن الكونغوليين يؤمنون بأن "الدخلاء يجب أن يُطردوا أولا قبل توجيه اللوم."

وأضافت: "حتى ونحن في المنفى، لن نقبل بفرض حركة إم 23 علينا."

وبثّ التلفزيون الوطني الرواندي لقطات تُظهر سلطات الحدود والجنود وهم يتعاملون بكرامة مع الكونغوليين الفارين. لكن بعض الفارّين قالوا لوكالة أسوشيتد برس (أ ب) إنهم يكرهون اضطرارهم للبحث عن ملجأ في رواندا، لكن لم يكن لديهم خيار آخر.

ومع دعوات الولايات المتحدة ودول أخرى إلى وقف إطلاق النار في المنطقة، تتزايد المخاوف الإنسانية مع استمرار موجات النزوح.

كانت جوما بالفعل موطنا لآلاف الأشخاص الذين فروا من سنوات الحرب، حيث تتصارع الجماعات المتمردة على السيطرة على ثروات المنطقة المعدنية. ووفقا للأمم المتحدة، فقد تسبب القتال مع حركة (إم 23) في نزوح حوالي 400 ألف شخص خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت سقوط المدينة.

والآن، بات مصير جوما، التي طالما كانت مركزا حيويا للمساعدات الإنسانية لملايين الأشخاص، موضع شك، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن "العديد من الأشخاص ليس لديهم أي مكان آمن للذهاب إليه."

وقال أنزيمانا سيمينا، الذي فرّ إلى رواندا مع أبنائه الثلاثة أثناء تسجيله في مدينة جيسيني الحدودية: "نحن مجرد رهائن بيد المتمردين."

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق