«نزار قباني في مصر».. كتاب جديد يناقش علاقة نزار قباني بمصر

0 تعليق ارسل طباعة

محمود عماد
نشر في: الخميس 30 يناير 2025 - 5:41 م | آخر تحديث: الخميس 30 يناير 2025 - 5:42 م

لم يكن نزار قباني مجرد شاعر مر من هنا، بل كان جزء من التاريخ العربي بكل أفراحه وويلاته، فلم ترى الأمة العربية شاعرا منذ عهد المتنبي اختلف من حوله الناس واتفقوا، مثلما اختلفوا وحتربوا حول الشاعر نزار قباني، فهو كما لقبه النقاد بقلب الشعر وصوت الجماهير، وسوط الغضب الثوري.

100 عام مرت على ميلاده، وربع قرن على رحيله، منذ أن ولد في دمشق، وتخرج في كلية الحقوق بجامعتها، ثم التحق بوزارة الخارجية سنة 1945، وانتقل في العام ذاته إلى القاهرة دبلوماسيا في سفارة بلاده.

وفي أحدث إصدارات بيت الحكمة صدر كتاب "نزار قباني في مصر" للكاتب الصحفي علي النويشي، الذي يرصد سنوات المجد والشهرة والسطوع الشعري للشاعر نزار قباني في القاهرة، والكتاب يوثق كم المعارك التي خاضها وعدد الطعنات التي نالها، ونعيش معه ساعات الفرح وأيام الألم والدموع، دموع ذرفها على فراش الوجع من هول مالاقاه من طعنات ومن لعنات ، شاعرنا الذي مدح الجميع، لم يسلم الجميع أيضا من هجائه ، وأيضا لم يمل العرب أيضا من غنائه، إنه أسطورة القرن العشرين نزار قباني.

جاء الشاعر السوري الراحل نزار قباني إلى مصر سنة 1945، وكان عمره 22 عاما، وعندما غادرها بعد 3 سنوات، لم يكن يعلم أنه ارتبط بها حتى آخر لحظة في عمره.

وفي مصر كانت ولادته الثانية، ومنها كانت نقطة الانطلاق نحو عالم الشهرة والألم، وكما يقول نزار: كانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي والصحافي والإذاعي في سنوات الملكية الأخيرة، وللقاهرة علي فضل الربيع على الشجر، وبصمات يديها ترى واضحة على مجموعتي الشعرية الثانية (طفولة نهد) المطبوعة عام 1948".

على أرضها دشن شاعريته ورحلته كمثقف، وبجوار نيلها دارت معاركه الفكرية والشعرية. وفي مصر، وبعد رحيله، صار شعر نزار يغنى على كل لسان، وعندما غادر الوطن العربي ليعيش في منفاه الاختياري في أوروبا، لم تتركه مصر، ولم يتركها هو أيضا.

في القاهرة أصدر أهم دواوينه "طفولة نهد" الذي حمله على جناح الشهرة، وفيها أصبحت قصائده أنشودة يتغنى بها كل لسان، وفي القاهرة جرب أن يكون ممثلا، وأن يكون شاعرا مشهورا تطبع دواوينه طبعات شعبية يشتريها الأولاد والبنات بقروش قليلة.

في القاهرة عاش جو حرية الصحافة، وشهد المعارك النيابية، وكان متابعا لحالة الحراك الاجتماعي التي تعيشه مصر، وهو يرى صحف تولد كل يوم، ومراحل سياسية تذوي وتموت، وحقبة تاريخية تطوى، وشباب يقاتل من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.

يرحل نزار عن مصر عام 1948 وعينه وقلبه معلقتان بها، غادر نزار القاهرة بجسده فقط، وبقيت القاهرة معه يحملها في حقائبه أينما رحل وأينما حل، فهو لا ينقطع عن زيارتها، وأصدقائه على تواصل دائم معه، وفيها عاش وعشق واقترن، وإليها يعود كما يعود الطائر المسافر.

تشتعل ثورة الضباط الأحرار، ويؤمم عبدالناصر قناة السويس، ويقع العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وينفعل نزار ويكتب رسائله الشهيرة إلى جندي بورسعيد، وينطلق بث التلفزيون المصري في 1960، وكان نزار من أول ضيوفه ليشهد العالم لقاءاته على الهواء مباشرة من القاهرة.

في عام 1962 يستقيل من الدبلوماسية ويتفرغ للشعر فقط، وكان يعيش بين القاهرة وبيروت، حتى جاء 5 يونيو القاصم للظهر، ولا يتحمل نزار الكارثة فيقع مريضا ويدخل المستشفى، وبين الصحو واليقظة ينتبه ليكتب قصيدته الباكية المنتحبة "هوامش على دفتر النكسة".

وفي القاهرة مارس تجربة التمثيل، فربما التجربة تخرج منه فنانا شهيرا وممثلا عظيما، ولكن ينحاز نزار للشعر فينتصر في النهاية، وبرغم نجاح تجربته في التمثيل، إلا أنها كانت التجربة الأولى والأخيرة.

ويبقى نزار متفاعلا مع هذه الأحداث بقصائده، وتقع حرب الاستنزاف، ويستشهد الفريق عبد المنعم رياض ويرثيه بقصيدة ملئها الحزن والعنفوان، حتى يصدمه كما تصدم الأمة العربية كلها بالوفاة المفاجئة للرئيس عبدالناصر، وينتحب نزار من جديد على هذا الرجل الذي كان يعشقه ويحبه كما كان يحب والده توفيق قباني، وتتوالى قصائد الرثاء على عبدالناصر من قتلناك يا آخر الأنبياء لغيرها من القصائد.

وكما أنه ولد في دمشق، ودشنت شاعريته في القاهرة، فقد قال إن تاريخ ميلاده الحقيقي يكتب بداية من بوم أن عبرت القوات المصرية قناة السويس، وحطمت خط بارليف، وفي ظل هذا الانفعال يفاجئ العالم برحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وهنا ينفعل وهو يخاطب العميد قائلا له، إرم نظارتك، ما أنت أعمى.

ويأتي نزار بولده توفيق ليدرس الطب في القصر العيني، ويشتري بيتا في منطقة جاردن سيتي تمهيدا لإقامته الدائمة هو وتوفيق ويعيش نزار معظم أوقاته في القاهرة بداية من السبعينيات، محتميا بأصدقائه من أي مفاجئات، ولكن يبقى القدر له بالمرصاد عندما يكتشف إصابة ابنه توفيق بمرض نادر في القلب، أخبره الأطباء أنه لا أمل، وشهور قليلة وتموت والدته في دمشق، وتشتعل الحرب الأهلية في بيروت، ويترك بيروت للقاهرة مرة ثانية، وتغتال الصراعات العربية في لبنان زوجته وحلم عمره بلقيس، ويتخذ قرارا نهائيا بالعيش والاستقرار في القاهرة من جديد، ولكن يفاجئ بحملة صحفية من بعض الأقلام، على أثرها يرحل عن عالمنا العربي كله إلى سويسرا ثم لندن.

ولا ينقطع نزار عن مصر، حتى أن الفنان عبدالوهاب كان يطالبه بالبقاء في مصر، ويقول له أنت تعودت على مصر، ومصر تعودت عليك يا نزار، ولا يفوته أن يحضر مهرجان افتتاح متحف أحمد شوقي أمير الشعراء، الذي شبه قصائد أمير الشعراء وهي تستقبله بالفساتين البيضاء والحمراء والزرقاء.

لم يترك نزار القاهرة، ولم تتركه القاهرة، بل ظلت تعيش فيه، وإن لم يعش هو كثيرا بها، ولكن ظلت زياراته ورحلاته إليها لا تنقطع، وفي شتاء كل عام لابد له من زيارة للقاهرة، سواء دعوه في معرض الكتاب أم لم تتم دعوته، فهو دائما مدعوا من النيل ومن الأهرامات، ومن قنوات وترع الفلاحين، ودائما مدعو من الطلاب والشباب والعشاق في كل مكان من أرض مصر.

ولا ينقطع الحبل السري بين نزار ومصر، وتمر السبعينيات بكل ألامها ومذاقها العلقم على كل عربي، فقد قطع العرب كلهم علاقاتهم بمصر، ويأتي عقد الثمانينيات بجموح رياحه، وخماسين أجوائه، ونشاهد نزار قباني أول من كسر المقاطعة عن مصر، وجاء يدعو العرب بأنهم لن يكونوا بدون مصر، وأن مصر لن تكتمل عروبتها إلا بهم.

وتستقبل الجماهير نزار قباني استقبال الفاتحين، وتنعقد له أكبر المهرجانات في معرض القاهرة للكتاب كل عام ليحضرها عشرات الألوف من الجماهير، ويتألق نزار وسط الجموع، ويظل واقفا بالساعات الطويلة وهو يشدو ويغرد أمام الجموع ، فهو كما يقول: أنا صوت الجماهير.

هكذا صنعت مصر نزار على عينها، ووضعته في قلبها، وحفظته كأيقونة، وهو الذي جعل الشعر مثل "الخبر اليومي" ومثل قراءة الجريدة.

على الجانب الآخر لم يعدم نزار من يدافع عنه، ومنهم محمد حسنين هيكل والكاتب أحمد بهاء الدين، ويوسف إدريس، والموسيقار عبد الوهاب، وفي مثل هذا المناخ، غادر نزار القاهرة وانتقل للإقامة في سويسرا عام 1984، ثم لندن، ولكن القاهرة حتى رحيله لم تغادره لحظة، ولم ينسها يوما.

ويرحل نزار إلى عالم السكون والهدوء، وكان المصريون هم أكثر الشعوب العربية حزنا عليه، ورثته مصر وودعته كما تودع ابنا عزيزا من أبنائها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق