مع اقتراب شهر رمضان المبارك في المغرب، يعود نقاش القفة والمبادرات الإحسانية إلى الواجهة، خصوصا في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه مجموعة من الأسر بسبب الغلاء وتداعيات الجفاف، والتي تمثل عاملا مساعدا على تقديم المواطنين فوق طبق من ذهب للأحزاب السياسية التي بدأت استعداداتها مبكرا لانتخابات 2026 المقبلة.
وحسب معطيات حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن عددا من المناطق شمال البلاد بدأت تستعد فيها جهات سياسية وأعيان يحترفون السياسة لتوزيع القفة الرمضانية والمساعدات الإنسانية خلال الشهر الفضيل، في إشارة واضحة إلى أن هؤلاء “المحسنين” عازمون على خوض الاستحقاقات الانتخابية العام المقبل.
ويطرح هذا الأمر جملة من التحديات أمام الاستغلال البشع للمجتمع من لدن النخب الحزبية “المفترسة” التي تتاجر في الفقر والهشاشة المهيمنة على بنيات المجتمع، خاصة على مستوى القرى وهوامش المدن. فهل ينجو العمل الخيري من الاستغلال السياسي والانتخابي في رمضان المقبل؟
محمد شقير، الكاتب والمحلل السياسي، اعتبر أن الإطعام والسياسة تربطهما علاقة جدلية معروفة في تاريخ المغرب السياسي، مؤكدا أن هذه المسألة “ليست جديدة وإنما هي مرتبطة بالتاريخ السياسي بالمغرب”.
وأضاف شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التنافس بين الفرقاء السياسيين حول توظيف الإطعام في عملية الاستقطاب كان حاضرا بشكل دائم؛ وذلك ما تؤكده المقولة المعروفة إشباع البطون للتأثير على العقول.
وزاد الكاتب والمحلل السياسي عينه موضحا أن الدولة نفسها تشتغل وتوظف هذا الأمر لضمان وتأكيد الشرعية، سواء من خلال حريرة رمضان وقبلها عبر الإنعاش الوطني وغيرها من المبادرات التي توظف ضمن عملية تكريس الشرعية السياسية للنظام، متسائلا: “كيف يعقل أن السلطة تمارس هذا النوع مما يسمى بالإحسان الاجتماعي وتمنع باقي الفرقاء السياسيين ليقوموا بالعملية نفسها؟ إذن، هذا تناقض في الممارسة وينبغي منع التوظيف على كل الفرقاء”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه من الصعب في مجتمع يقوم على “الهشاشة والندرة أن تمنع السلطات مثل هذه الممارسات”، معتبرا أن هذه الظاهرة ستستمر وتبقى متواصلة بالنظر إلى الأرضية التي تساهم في هذه المسألة، و”مواطن لا يتوفر على احتياجاته الأساسية، ويعيش الهشاشة المتواصلة يصعب أن يساهم في تراجع الظاهرة، خصوصا مع انتشار ما يسمى بالتسول الاجتماعي بعدما أصبحت فئات من كل الأعمار ومن كل الشرائح تحترف عملية التسول للحصول على مواد عينية أو مال؛ وهذا يساعد على استفحال الظاهرة”.
وخلص شقير إلى أن العوامل المذكورة تساعد على انتشار وتفشي مسألة توظيف الخصاص الاجتماعي سياسيا، خاصة من قبل “أحزاب تمتلك بعض الإغراءات والوسائل المالية التي يمكن توظيفها في هذا الإطار”، حسب تعبيره.
من جهته، قال المحلل السياسي رشيد لزرق إن المغرب “ليس بعيدا عن الانتخابات، وإشكال المتاجرة في الفقر واستثماره سياسيا وانتخابيا دائما يثار”، مؤكدا أن هذا الأمر تؤثر فيه “قفة رمضان، خاصة في ضواحي المدن”.
وتساءل لزرق، ضمن تصريح لهسبريس، حول عدم لجوء الدولة إلى استثمار قاعدة بيانات السجل الاجتماعي الموحد في تنظيم العمل الإحساني وقفة رمضان، عبر إحداث وكالة خاصة تتولى الإشراف على العملية بكل تفاصيلها، وفق معايير واضحة لاختيار المستفيدين من القفة تحت مراقبة القانون، ومن لم يستفد من المستحقين يمكن أن يلجأ إلى المحكمة الإدارية وفق هذه المعايير والشروط.
واعتبر المحلل السياسي أن إجراء من هذا القبيل يمكن أن يمكن الدولة من ضبط عملية الإحسان العمومي ومنع توظيفه ليس فقط في الانتخابات؛ بل حتى في ظاهرة الإرهاب والعديد من الظواهر الأخرى، خاصة أن هناك “العديد من الجماعات غير المرخصة تنشط سياسيا في ضواحي المدن”، وفق تعبيره.
وشدد المتحدث ذاته على أن السياسة وممارستها لا تحتاج إلى مثل هذه الأمور، معتبرا أن الكارثة تتمثل في أن كل الأحزاب “تلجأ إلى توظيف هذه المسألة وتصبح حرب الجميع ضد الجميع؛ الكل يشتكي والكل يوظفها”، مبرزا أنه لم يعد هناك أي مبرر لتستمر الأمور بهذا الشكل “العشوائي”، على حد وصفه.
0 تعليق