النفط الروسي إلى الصين والهند.. ظلال العقوبات الغربية قاتمة على الصادرات (مقال)

0 تعليق ارسل طباعة

اقرأ في هذا المقال

  • • الصين تواجه تأخيرات كبيرة في تفريغ النفط الخام الروسي بسبب العقوبات المفروضة على السفن
  • • الهند ستواصل شراء النفط الروسي شريطة أن يظل سعره أقل من 60 دولارًا للبرميل
  • • مصافي التكرير الصينية تواجه تأخيرات كبيرة في تفريغ الخام الروسي في المواني بسبب العقوبات
  • • الحسومات على خامات النفط الروسي مثل الأورال وإسبو جعلتها أكثر جاذبية لدى المشترين

تُلقي العقوبات الغربية بظلال قاتمة على صادرات النفط الروسي إلى الصين والهند، اللتين تعدّان من كبار مستهلكي هذا الوقود ومشتريه.

في 10 يناير/كانون الثاني 2024، فرضت الولايات المتحدة مجموعة عقوبات كبيرة على قطاع الطاقة في روسيا، بما في ذلك استهداف شركات النفط الكبرى مثل غازبروم نفط (Gazprom Neft) وسورغوتنفط غاز (Surgutneftegaz).

وشملت العقوبات أكثر من 180 سفينة تعمل في نقل النفط الروسي، التي تعدّها الولايات المتحدة جزءًا من "أسطول الظل" الروسي.

وتهدف العقوبات إلى تقييد قدرة روسيا على بيع الوقود الأحفوري في الأسواق الدولية، ومنع استغلال الأنظمة المالية الغربية والتأمين لصادرات الطاقة الروسية.

التأثير في صادرات النفط الروسية

تؤثر العقوبات بصورة واضحة في الشركات التابعة وشركات الشحن الدولية المشاركة في صادرات الطاقة الروسية، مع التركيز على منع الوصول إلى السفن البحرية الرئيسة وشركات التأمين التي سهّلت تاريخيًا نقل النفط الروسي.

وبحلول نهاية عام 2024، كان ما يقرب من 36% من واردات الهند من النفط، ونحو 20% من واردات الصين من النفط تأتي من روسيا.

ويتمثّل الهدف الجيوسياسي الأوسع وراء العقوبات الأميركية في زعزعة استقرار الاقتصاد الروسي من خلال تقويض مصدر إيراداته الأساسي -صادرات الوقود الأحفوري- مع استهداف الصناعات الحيوية للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

مصفاة النفط التابعة لشركة لوك أويل بمدينة فولغوغراد في روسيا
مصفاة النفط التابعة لشركة لوك أويل بمدينة فولغوغراد في روسيا - الصورة من رويترز

الشركات الخاضعة للعقوبات والمنتجات المستهدفة

تستهدف العقوبات، بصفة خاصة، شركات النفط الروسية العملاقة والأصول الرئيسة ضمن البنية التحتية للوقود الأحفوري:

  • فُرضت عقوبات على شركتي غازبروم نفط وسورغوتنفط غاز، وهما من أكبر منتجي النفط في روسيا، لأول مرة، إلى جانب العديد من الشركات التابعة لهما.
  • أدرجت وزارة الخزانة الأميركية أكثر من 180 سفينة، بما في ذلك تلك التي تشكّل جزءًا مما يُسمّى "أسطول الظل" الروسي (شبكة من السفن العاملة تحت أعلام ملائمة مثل بنما وبربادوس والغابون)، في القائمة السوداء.
  • تمتد العقوبات إلى ما هو أبعد من شركات النفط، لتشمل مزوّدي الخدمات الرئيسين لحقول النفط الروسية، بما في ذلك أكثر من 30 شركة توفّر المعدات والصيانة لأنشطة استكشاف وإنتاج النفط في روسيا.

بالإضافة إلى ذلك، واجهت ناقلات أفراماكس، وهو نوع من السفن المستعملة لنقل الخام الروسي إلى آسيا، عقوبات غيّرت بصفة كبيرة ديناميكيات الشحن.

وأُدرجت شركات الشحن الروسية، بما في ذلك شركة سوفكومفلوت (Sovcomflot) وشركة روسنفطفلوت التابعة لشركة روسنفط، على القائمة.

وتهدف حزمة العقوبات الشاملة هذه البيع المباشر ونقل النفط الروسي، وتسعى إلى منع الشركات والدول من تقديم خدمات أساسية مثل التأمين البحري، وهو أمر حيوي لنقل النفط الخام.

التأثيرات في تكاليف شحن النفط

بعد فرض هذه العقوبات، كانت الزيادة الحادة في تكاليف الشحن والعلاوة على خام إسبو الروسي من العواقب المهمة على الصين والهند، وهما من أكبر مشتري النفط الروسي.

نتيجة لذلك، ارتفعت تكلفة الشحن لناقلات أفراماكس، وهي الفئة الأكثر شيوعًا من السفن المستعملة لشحن النفط إلى الصين والهند، من نحو 1.5 مليون دولار إلى 7 ملايين دولار لكل ناقلة في الأسابيع التي أعقبت العقوبات.

ويمثّل هذا زيادة بنحو 5 أضعاف في تكاليف النقل، ما يزيد من إضعاف اقتصادات صادرات النفط الخام الروسية.

ونتيجة لذلك، ارتفع سعر خام إسبو الروسي (شرق سيبيريا والمحيط الهادئ) بمقدار 3-5 دولارات للبرميل مقارنة بخام برنت، ما يجعله أقل قدرة على المنافسة في سوق النفط العالمية. ويرجع هذا الارتفاع في العلاوة جزئيًا إلى ازدياد تكاليف الشحن والتعقيد اللوجستي الذي فرضته العقوبات.

وأشارت كل من الصين والهند إلى أنهما قد توقفان أو تقلصان مشترياتهما من النفط الروسي، بالنظر إلى التضخم في التكاليف الناجم عن العقوبات. على سبيل المثال:

  • تواجه الصين تأخيرات كبيرة في تفريغ النفط الخام الروسي بسبب العقوبات المفروضة على السفن، ما أدى إلى انخفاض واردات النفط الخام من أقصى شرق روسيا.
  • أعربت الهند التي تستورد كمية كبيرة من النفط من روسيا، عن مخاوفها بشأن ارتفاع التكاليف، وتبحث عن موردين بديلين، بمن في ذلك من الشرق الأوسط وأفريقيا والأميركتين.
مصفاة شركة بهارات بتروليوم في مدينة مومباي بالهند
مصفاة شركة بهارات بتروليوم في مدينة مومباي بالهند – الصورة من بلومبرغ

أنماط شراء النفط

بحلول نهاية عام 2024، كانت نسبة 36% من واردات الهند من النفط ونحو 20% من واردات الصين من النفط الخام تأتي من روسيا.

ومع دخول العقوبات حيز التنفيذ بالكامل الآن، تعمل هذه البلدان على تكييف إستراتيجياتها لشراء النفط:

  • الهند: لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على الخام الروسي، ولكنها مقيدة بالعقوبات الأميركية، التي تطالب جميع الناقلات التي تحمّل النفط الروسي بتفريغ حمولتها بحلول 27 فبراير/شباط 2024، مع سداد المدفوعات بحلول 12 مارس/آذار 2024.

وقد دفع هذا الموعد النهائي الصارم المصافي الهندية إلى البحث عن بدائل، فقد أفادت شركات مثل شركة بهارات بتروليوم كورب المحدودة (Bharat Petroleum Corp. Ltd) أنها لم تتلق أي عروض جديدة لتسليم النفط الروسي لشهر مارس/آذار 2024.

ونتيجة لذلك، انخفض عدد الشحنات المعروضة بصورة كبيرة مقارنة بالأشهر السابقة، مثل يناير/كانون الثاني وديسمبر/كانون الأول 2024.

وعلى الرغم من ذلك، أكد نائب وزير البترول الهندي، بانكاج جين، أن الهند ستواصل شراء النفط الروسي، شريطة أن يظل سعره أقل من 60 دولارًا للبرميل، وأن يُسلّم عبر ناقلات غير متأثرة بالعقوبات الأميركية.

يشير هذا الموقف إلى رغبة الهند في إبقاء تكاليف الطاقة منخفضة، لكنه يسلط الضوء على الصعوبات المتزايدة في تأمين شحنات النفط وسط ارتفاع تكاليف الشحن.

  • الصين: تواجه مصافي التكرير الصينية تأخيرات كبيرة في تفريغ الخام الروسي في الموانئ بسبب العقوبات. وتوقع المحلل الأول في شركة كبلر، شو مويو، أن تنخفض واردات الصين من الخام من أقصى شرق روسيا في الأمد القريب.

ومن المتوقع أن تفقد مقاطعة شاندونغ، وهي منطقة رئيسة لاستيراد النفط في الصين، ما يصل إلى مليون برميل يوميًا من واردات الخام، نظرًا إلى التحديات اللوجستية والشحن.

التكيف الروسي مع العقوبات

ردًا على العقوبات، ظلت روسيا مصرة على أن التدابير الأميركية غير قانونية، وأن طرقًا بديلة ستظهر للحفاظ على صادرات النفط.

ووفقًا للمتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف: "إذا حُظر شيء ما في مكان ما، يظهر طريق بديل في مكان آخر"، ما يؤكد المرونة الإستراتيجية لروسيا في التعامل مع العقوبات.

من ناحيتها، زادت مصافي التكرير الروسية من الإنتاج، إذ أظهرت أحجام التكرير من 15 إلى 19 يناير/كانون الثاني الماضي زيادة بنسبة 2% مقارنة بالأسبوع السابق وزيادة بنسبة 1.2% فوق المتوسط لشهر يناير/كانون الثاني 2023.

ويركز الكرملين على إيجاد طرق تجارية جديدة والعمل بصورة أوثق مع الدول غير الغربية، خصوصًا الصين والهند، التي تواصل الطلب على النفط الروسي على الرغم من ارتفاع التكاليف.

ناقلات نفط في محطة تابعة لشركة سينوبك بمقاطعة جيانغسو في الصين
ناقلات نفط في محطة تابعة لشركة سينوبك بمقاطعة جيانغسو في الصين - الصورة من رويترز

وكان استعمال روسيا لأسطول سفن الظل الذي يتكوّن من ناقلات مسجلة في دول مثل بنما وبربادوس والغابون، داعمًا لإستراتيجيتها للتهرب من العقوبات الغربية.

ورغم أن هذه السفن لا تخضع للقيود نفسها التي تخضع لها السفن المملوكة للغرب، فإن تكلفتها أعلى بسبب ارتفاع أسعار التأمين والشحن.

التحولات الاقتصادية والإستراتيجية

كان الدافع الجيوسياسي وراء العقوبات الأميركية هو عزل روسيا اقتصاديًا من خلال زعزعة استقرار إيراداتها النفطية، التي كانت المصدر الرئيس لتمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

رغم ذلك، يبدو أن العقوبات أقل فاعلية في تعطيل صادرات روسيا النفطية بصورة كبيرة، بسبب قدرة البلاد على التكيف بسرعة؛ على سبيل المثال:

  • أدت الحسومات على خامات النفط الروسي مثل الأورال وإسبو إلى جعلها أكثر جاذبية لدى المشترين، خصوصًا في آسيا. واتسع الفارق في السعر بين الخام الروسي وبرنت، ما يوفّر حافزًا لدول مثل الهند والصين لمواصلة التعامل مع روسيا.
  • نتيجة لاستهداف العقوبات لأسطول الظل، يتم استبدال شركات أخرى تعمل في بلدان لا تخضع للقيود الأميركية تدريجيًا بشركتي سوفكومفلوت وروسنفطفلوت الروسيتين.

التأثير في أسواق النفط العالمية

خلقت العقوبات، إلى جانب تكيف روسيا، ديناميكيات جديدة في سوق النفط العالمية.

وعلى الرغم من أن صادرات النفط الروسية لم تنخفض بصورة كبيرة، فقد حدثت اضطرابات في طرق التجارة القائمة.

وارتفع سعر النفط في البداية بعد فرض العقوبات، ليصل إلى 81 دولارًا للبرميل، لكنه استقر بعد ذلك مع تكيف المصدرين الروس مع الظروف الجديدة.

على المدى الطويل، قد يؤدي هذا الوضع إلى:

  • ارتفاع أسعار الطاقة، خصوصًا بالنسبة إلى الدول المستهلكة للنفط في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، حيث أصبحت صادرات النفط الروسية معقدة ومكلفة بصورة متزايدة.
  • تشكيل سلاسل توريد جديدة، خصوصًا مع نمو التجارة بين روسيا والصين والهند، مما يزيد من تسريع ابتعاد روسيا عن الأسواق الغربية.
  • سوق طاقة عالمية أكثر تفككًا، مع تنافس العديد من اللاعبين على السيطرة على موارد الطاقة وطرق النقل.

ثامنًا: العقوبات المستقبلية والحسابات الإستراتيجية

تستعد الولايات المتحدة لفرض حزم عقوبات إضافية تستهدف سلسلة إمدادات النفط والغاز الروسية بأكملها. في المقابل، فإن فرض هذه التدابير باستمرار يهدّد بزعزعة استقرار أسواق النفط العالمية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود وعدم الاستقرار الاقتصادي في الغرب وفي المناطق المعتمدة على الطاقة مثل الهند والصين.

بالنسبة إلى روسيا، فإن مفتاح التغلب على هذه العقوبات يكمن في الاستمرار في تنويع قاعدة عملائها، وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، وإيجاد طرق مبتكرة لإدارة التحديات اللوجستية التي تفرضها العقوبات.

تجارة الطاقة العالمية

تؤدي العقوبات الأميركية على الوقود الأحفوري الروسي إلى إعادة تشكيل ديناميكيات تجارة الطاقة العالمية، خصوصًا مع الصين والهند، وهما من أكبر مشتري النفط الروسي.

وعلى الرغم من أن هذه العقوبات أدت إلى زيادة تكاليف الشحن وزيادة العلاوات على الخام الروسي، فإن قدرة روسيا على التكيف مع طرق التجارة الجديدة والاستفادة من أسطول الظل تضمن استمرار صادرات النفط، وإن كان ذلك بتكلفة أعلى.

وفي الأمد المتوسط إلى الطويل، قد تستمر العقوبات في دفع أسعار الطاقة العالمية إلى الارتفاع، ما يجبر دولًا مثل الهند والصين على تنويع مصادر الطاقة مع الحفاظ على الاعتماد الإستراتيجي على النفط الروسي.

ويستدعي المشهد الجيوسياسي المتطور مراقبة مستمرة مع فرض حزم عقوبات جديدة، ومع تطور استجابة روسيا بما يتماشى مع هدفها المتمثل في تقليل تأثير القيود الغربية.

وسوف تظل القدرة المستمرة لقطاع النفط الروسي على التكيف في مواجهة العقوبات عاملًا حاسمًا في تشكيل أسواق الطاقة العالمية والعلاقات الدولية.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق