التوليد المتقطع للطاقة المتجددة معضلة للمنتجين والمستهلكين.. وهذه أبرز الحلول (تقرير)

0 تعليق ارسل طباعة

تثير مسألة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة اهتمام الخبراء وصناع السياسات، بوصفها معضلة فنية ذات آثار سلبية وتكاليف باهظة لشبكات الكهرباء على المديين المتوسط والطويل.

ويشيع انطباع عام بأن توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة مسألة سهلة تعتمد على مصادر مجانية لا نهائية مثل الشمس والرياح، إضافه إلى كونه توليدًا صديقًا للبيئة.

ورغم انتشار هذه التصورات بين العامة وبعض المتخصصين ووسائل الإعلام؛ فإنها تصطدم بمشكلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة التي يشتكي منها مشغلو شبكات الكهرباء، خاصة بالبلدان الأوروبية المتسارعة في تبني هذه المصادر.

ويعتمد توليد الكهرباء المتجددة على ظروف الطقس اليومية والموسمية من حيث معدلات سطوع الشمس وهبوب الرياح، وهو ما يختلف كليًا عن المصادر التقليدية ذات التوليد الثابت.

ورغم خطورة ظاهرة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة وآثارها الفادحة في استقرار الشبكات؛ فإن كثيرًا من المشرعين وصناع السياسات في الغرب ما زالوا يتجاهلون التركيز عليها خشية إثارة القلق بشأن المصادر النظيفة المعتمد عليها في تحول الطاقة عالميًا.

ونظرًا إلى أهميتها، ترصد وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) في هذا التقرير مشكلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة وآثارها السلبية في المستهلكين والمنتجين.

آثار التوليد المتقطع للطاقة المتجددة

تدور حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء العالمي حاليًا حول 30% شاملة الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة النووية، كما يرصد الإنفوغرافيك التالي الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة:

مزيج الكهرباء العالمي 2023

وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء العالمي من 30% في 2023 إلى 37% في 2026، ثم إلى 50% بحلول نهاية العقد الحالي.

ورغم سهولة الحديث بين صناع السياسات حول مضاعفة قدرة التوليد المتجدد للكهرباء في غضون سنوات معدودة؛ فإن هذا التوسع بات يواجه معضلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة والتي تصاعدت الشكوى منها بين مشغلي الشبكات في عديد من دول العالم؛ أبرزها هولندا وإسبانيا والصين وبعض الولايات الأميركية مثل تكساس وكاليفورنيا.

ويشتكي المشغلون من تفاقم مشكلة ازدحام أو اختناق الشبكات، التي تعني عدم قدرة خطوط الكهرباء على توصيل فائض إمدادات الكهرباء المتجددة.

وعادةً ما يضطر المشغلون في هذه الحالة إلى مطالبة منتجي الطاقة المتجددة بتقليص التوليد في مشروعاتهم المتصلة بالشبكة لمدة معينة يكون فيها الطلب على الكهرباء أقل من المعروض.

ولا تنطوي مخاطر تقليص الإنتاج في حالة ازدحام الشبكات على هدر الكهرباء المتجددة التي كان بالإمكان استعمالها على المستوى الوطني فقط، بل تمتد إلى تهديد اقتصادات مشروعات الطاقة الشمسية والرياح وتعريض المنتجين للخسارة، وهي ظاهرة باتت الشكوى منها واضحة في البلدان الأوروبية.

وتمارس الكيانات الممثلة لمنتجي الطاقة المتجددة في العالم ضغوطًا متزايدة على صناع السياسات؛ لدفعهم إلى تخصيص مزيد من الاستثمارات لتوسيع شبكات الكهرباء أو تعويضهم عن التوليد المهدر في حالة طلب تقليص الإنتاج.

ظاهرة أسعار الكهرباء السالبة ومخاوف المنتجين

لا يتحكم منتجو الطاقة المتجددة في معدلات التوليد المتقلبة حسب ظروف الطقس؛ ما يجعلهم غير قادرين على ضبط الكهرباء المولَّدة حسب الطلب؛ بل عادةً ما يزداد التوليد ويصل إلى ذروته في أوقات انخفاض الطلب، والعكس.

وعادةً ما يحل توليد الطاقة الشمسية محل المصادر التقليدية خلال ذروة الإشعاع الشمسي خلال ساعات الظهيرة، في حين تميل الكفة إلى الغاز والفحم ليلًا؛ ما يؤدي إلى اتساع فجوة الأسعار بين المصادر المتجددة والأحفورية ليلًا ونهارًا.

طاقة الرياح في أيام ملبدة بالغيوم
مشروع لطاقة الرياح خلال أيام ملبدة بالغيوم - الصورة من chambers fori nnovation

وأدى ارتفاع معدلات توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية في أوروبا خلال الربع الثالث من عام 2024 إلى حدوث فائض ضخم من إمدادات الكهرباء المتجددة في أوقات منخفضة الطلب؛ ما تسبّب في حدوث ظاهرة الأسعار السالبة بأكثر من دولة.

وتعني أسعار الكهرباء السالبة الحالةَ التي يصل فيها سعر الكهرباء إلى ما دون الصفر في بعض الساعات أو الأيام التي تعجز فيها الشبكات عن استيعاب فائض الإمدادات، وهذا يتسبب في خسائر للمنتجين.

وسجّلت إسبانيا والبرتغال أكثر من 700 ساعة بأسعار سالبة للكهرباء منذ بداية عام 2024 حتى نهاية أكتوبر/تشرين الثاني، في حين شهدت فنلندا 337 ساعة بأسعار سالبة خلال الربع الثالث فقط.

كما شهدت السويد 290 ساعة بأسعار سالبة، تليها هولندا بنحو 217 ساعة، ثم ألمانيا بنحو 204 ساعات، بحسب دراسة أعدّتها شركة أبحاث الطاقة المتخصصة مونتل أناليتكس (Montel Analytics).

وتُحذِّر شركة أبحاث مونتل أناليتكس من تفاقم ظاهرة الأسعار السالبة في المستقبل إذا ظل إنتاج الطاقة المتجددة مرتفعًا دون استيعاب من شبكات الكهرباء؛ ما يهدد هوامش أرباح المنتجين ويضر اقتصادات المشروعات الجديدة.

التوليد المتقطع وإرباك الطلب على الغاز

اكتشفت دراسة أخرى أعدّها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن ظاهرة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة ستؤدي إلى تقلبات حادة يصعب التنبؤ بها في الطلب على الغاز ومخزوناته داخل أوروبا.

ورصدت الدراسة حالتين نموذجيتين لأثر غياب الرياح في توليد الكهرباء وحسابات الطلب على الغاز في أوروبا خلال شهري يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024.

فقد أظهرت البيانات الشهرية على مستوى الاتحاد الأوروبي خلال يناير/كانون الثاني 2024 ارتفاع الطلب الإجمالي على الكهرباء بنسبة 6% على أساس سنوي.

ولم تتمكّن الطاقة المتجددة في هذا الشهر سوى من تغطية 45% من مزيج التوليد بسبب درجات الحرارة الباردة وانخفاض توليد الرياح، في حين زادت حصة الغاز إلى 18% نتيجة زيادة الطلب بصورة حادة على مدار بضعة أيام خلال الشهر لتغطية عجز طاقة الرياح.

وقد أدى الارتفاع المفاجئ للطلب على الغاز إلى سحب 10 مليارات متر مكعب من مخزونات الغاز في الاتحاد الأوروبي خلال 13 يومًا فقط ممتدة (من 6 إلى 13 يناير/كانون الثاني)؛ ما يمثل 10% من سعة التخزين تحت الأرض.

وتكرّرت هذه الظاهرة بصورة أوضح خلال نوفمبر/تشرين الثاني في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية؛ ما أدى إلى انخفاض حصة الطاقة المتجددة في مزيج التوليد إلى 40%، وزيادة حصة الغاز إلى 21% لأول مرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأسهم هذا الطلب المفاجئ على الغاز في سحب 4.5 مليار متر مكعب من مخزونات الغاز خلال 14 يومًا ممتدة من 3 إلى 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو انخفاض حاد للمخزونات في وقت مبكر من فصل الشتاء، بحسب دراسة معهد أكسفورد.

لماذا ترتفع فواتير الكهرباء أحيانًا؟

انخفضت تكاليف الطاقة المتجددة بصورة كبيرة، خلال السنوات الـ10 الأخيرة، إلى أن أصبحت تنافس الوقود الأحفوري من حيث الجدوى الاقتصادية فضلًا عن البيئية.

ورغم ذلك؛ فما زالت ظاهرة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة غير مأمونة الجانب، وتؤدي في بعض الأحيان إلى ارتفاع فواتير الكهرباء على المستهلكين بمعدلات قياسية.

ويستعمل الألمان مصطلح "دنكل فلاوت" (dunkelflaute)، للتعبير عن لعنة ارتفاع أسعار الكهرباء في مواسم البرد القارس الذي تغيب فيه الرياح بصورة شبه كاملة وتكون فيه معدلات الإشعاع الشمسي في أدنى مستوياتها.

إذ يضطر المستهلكون إلى دفع فواتير قياسية لمدد تتراوح من أيام إلى أسابيع خلال هذه المواسم، نتيجة ارتفاع الطلب على الكهرباء، واختفاء الرياح، والاضطرار إلى حرق المزيد من الغاز الأكثر تكلفة.

توربينات طاقة رياح تعمل بأقل مستوياتها مع انخفاض معدلات الهبوب
توربينات طاقة رياح تعمل بأقل مستوياتها مع انخفاض معدلات الهبوب - الصورة من deutschlandfunk

وأدى اجتماع هذه الظروف معًا إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في ألمانيا على المستهلكين في بعض أيام شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى 400 يورو (410 دولارات) لكل ميغاواط/ساعة، وهو أعلى مستوى منذ أزمة الطاقة الحادة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

كما تجاوزت أسعار الكهرباء في سوق الجملة الألمانية 936 يورو (981 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة خلال بعض أيام شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو أعلى مستوى في 18 عامًا.

وتشير الحالة الألمانية إلى أن أي اختلال في التوازن بين إنتاج الكهرباء واستهلاكها بسبب ظروف الطقس سيؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار الكهرباء، بخلاف تأثير التوترات الجيوسياسية والتغييرات التنظيمية.

ومن المتوقع امتداد هذه المشكلة وتفاقهما بجميع أسواق الطاقة الأوروبية، مع توسع هيمنة الطاقة المتجددة على جانب العرض في ظل التزام دول الاتحاد بمضاعفة توليدها 3 مرات بحلول عام 2030.

حلول مشكلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة

رصدت وحدة أبحاث الطاقة، اعتمادًا على شركات الأبحاث وبيوت الخبرة التقنية، حلولًا كثيرة لحل مشكلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة؛ أبرزها:

  • التوسع في أنظمة تخزين الكهرباء عبر البطاريات وتخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ.
  • مضاعفة استثمارات توسعة شبكات الكهرباء.
  • الاعتماد على محطات التوليد بالغاز لمدة انتقالية.
  • زيادة حصة الطاقة النووية في مزيج الكهرباء.
  • استعمال فائض الكهرباء المتجددة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
  • التوسع في مشروعات الربط الإقليمي للكهرباء بين الدول المجاورة.
  • استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة الطلب على الكهرباء.

ورغم كون هذه الحلول معقولة وجيدة؛ فإنها ذات تكاليف باهظة لا يمكن لمعظم الدول النامية تحملها، بل إن بعض دول شرق أوروبا لا يقوى على ذلك؛ إذ يتطلّب التوسع في أنظمة بطاريات تخزين الكهرباء تكلفة باهظة، كما يتطلب توسعة الشبكات استثمارات ضخمة ومدة زمنية طويلة لا تقل عن 5 إلى 10 سنوات.

كما تواجه حلول التوسع في محطات التوليد بالغاز أو الطاقة النووية بصورة احتياطية مشكلة انهيار اقتصادات هذه المصادر في قطاع التوليد، إذا استعملت في أوقات محدودة أو عملت بصورة جزئية.

كذلك تواجه أفكار استعمال فائض الكهرباء المتجددة في إنتاج الهيدروجين الأخضر مشكلة التنافس على استعمال الكهرباء النظيفة في قطاع أوّلي بها، بدلًا من إعادة استعمالها في إنتاج مصدر آخر للطاقة.

ويعني هذا أن تكاليف الحفاظ على أمن الطاقة في البلدان المتوسعة في ربط مصادر الطاقة المتجددة بالشبكات ستكون باهظة جدًا، بحسب دراسة تحليلية حول هذه المشكلة أعدها أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة هارفارد الدكتور ديتير هيلم، الذي يدعو الدول إلى التحلي بالواقعية المناخية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة مقارنة بالوقود الأحفوري من وكالة آيرينا.
  2. ظاهرة الأسعار السالبة للكهرباء في ألمانيا من شركة أبحاث مونتل أناليتكس.
  3. أسعار فواتير الكهرباء مع غياب الرياح من موقع EL PAÍS الإسباني.
  4. تكلفة حلول التوليد المتقطع للطاقة المتجددة من دراسة بريطانية.
  5. حلول مشكلة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة من مقال خبير أسواق الطاقة الأوروبي جان لويس مالون.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق