حول ديناميات تطور سوق الشغل في المملكة خلال عام 2024 وتأثيراتٍ متوقعة لزيادة معدل البطالة على الاقتصاد في 2025، اجتمعت رؤى محللين وأكاديميين اقتصاديين مغاربة، راصدين “استمرار البطالة في التأنيث” وكونها “ظاهرة قرويّة” بشكل أساسي، مع انتقال معدل البطالة من 6,3 في المائة إلى 6,8 في المائة (زائد 0,5 نقطة) بالوسط القروي، ومن 16,8 في المائة إلى 16,9 في المائة بالوسط الحضري (زائد 0,1 نقطة)”.
وخلال العام الماضي، أبانت الأرقام الرسمية لمندوبية التخطيط تميّز البطالة، أيضا، بـ”زيادة نسبة الأشخاص العاطلين عن العمل حديثا”، مسجلة “ارتفاع نسبة الأشخاص العاطلين عن العمل لمدة أقل من سنة (من 33,3 في المائة إلى 37,1 في المائة)، لينخفض “متوسط مدة البطالة” من 32 شهرا إلى 31 شهرا.
وعلى الرغم من دينامية “الانتعاش المحدود” بعد الخروج التدريجي من آثار زمن “الجائحة”، فإن اقتصاد المغرب لم يستطع سوى إحداث 82 ألف منصب شغل خلال سنة 2024؛ ناتجة عن “فقدان 157 ألف منصب شغل خلال 2023، ونتيجة إحداث 162 ألف منصب شغل بالوسط الحضري وفقدان 80 ألفا بالوسط القروي”، ثم “شبه استقرار” لازمَ “معدل النشاط” (taux d’activité) بين سنتيْ 2023 و2024.
تغيرات هيكلية
محمد عادل إيشو، أستاذ علوم الاقتصاد والتدبير في جامعة بني ملال، أورد أن “سوق العمل بالمغرب خلال عام 2024 شاهد على تغيّرات هيكلية مهمة، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 13.3 في المائة مقارنة بـ13 في المائة في عام 2023؛ مما يعكس تفاقم التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني”.
“برزت هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا بين الفئات الشابة”، رصد إيشو، في قراءته لأرقام مذكرة المندوبية الصادرة مستهل فبراير الجاري. وقال معلقا لجريدة هسبريس: “لافتٌ جدا انتقالُ معدل البطالة في الفئة العمرية 15-24 سنة من 35.8 في المائة إلى 36.7 في المائة؛ في حين ارتفع للفئة 25-34 سنة من 20.6 في المائة إلى 21 في المائة. كما أن البطالة ارتفعت بين النساء، حيث زادت بنسبة 1,1 نقطة لتصل إلى 19.4 في المائة، مستنتجا أن ذلك “مؤشر عاكسٌ لضُعف/هشاشة إدماج المرأة في سوق العمل”.
وأضاف شارحا: “هذه الأرقام تعكس استمرار العلاقة العكسية بين النمو الاقتصادي والبطالة، وهو ما أكدته دراسة حول قانون “أوكُون Loi d’Okun” في المغرب؛ وأظهرت أن معدل البطالة يتفاعل بشكل أكبر مع التباطؤ الاقتصادي مقارنة بفترات النمو، مما يشير إلى ضعف قدرة الاقتصاد على خلق فرص شغل مستدامة”.
ورصد المحلل ثلاثة عوامل تؤثر في ارتفاع البطالة بالمغرب، متمثلة في “عدم ملاءمة المهارات مع متطلبات سوق العمل” و”هيمنة القطاعات التقليدية على التوظيف” إذ “يتركّز التشغيل في قطاعات مثل الخدمات، البناء، والفلاحة، كقطاعات تعاني من هشاشة في التشغيل وتفتقر إلى الاستدامة؛ وهو ما يؤدي إلى فقدان الوظائف بسهولة عند حدوث تقلبات اقتصادية”، فضلا عن “ضُعف الابتكار والاستثمار في الاقتصاد الرقمي”.
“تشير بيانات عام 2024 إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، مما سيؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي وهشاشة الاستقرار الاجتماعي في 2025 إذا لم يتم اتخاذ تدابير هيكلية جذرية”، وفق إيشو الذي خلُصَ “على الرغم من خلق 82 ألف منصب شغل جديد، فإن هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض التراجع السابق. لذلك، تحتاج الحكومة إلى تبني سياسات اقتصادية مرنة وابتكارية تهدف إلى تعزيز فرص العمل المستدامة وتحقيق توازن بين النمو والتوظيف”.
أستاذ الاقتصاد قدّر “استعجالية إصلاح قوانين العمل” بما يفضي إلى “تقليل القيود على العقود المؤقتة وتعزيز مرونة سوق العمل يمكن أن يحفز الشركات على خلق المزيد من فرص الشغل”، مستحضرا “تشجيع ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة كدعم التمويل والتسهيلات للشركات الناشئة كإمكانية حل فعال لمشكلة البطالة، خاصة بين الشباب”، بتعبيره.
التنمية التشغيلية
قال زكرياء فيرانو، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “معدل البطالة ما زال مستمرا في منحى الارتفاع داخل المنظومة الاقتصادية الوطنية”، رابطا ذلك بثلاثة عوامل “رئيسية”.
وفصّل فيرانو، في تصريح لهسبريس، بأن العامل الأول هو “تأثير تقهقر القطاع الفلاحي الذي يعاني ست سنوات متوالية الجفاف وندرة المياه، موردا “أهمية تحديثه بالمكننة والتكنولوجيا في السقي، وتغيير براديغم النموذج التنموي الذي تم اتباعه داخل القطاع، مع نوعية خاصة من الزراعات التي يمكن أن تتأقلم مع الأجواء المناخية الجديدة”.
واسترسل بأن “القطاعات غير الفلاحية غير قادرة على إنتاج فرص شغل كافية بسبب ضعف القيمة المضافة”، شارحا: “كما هو معلوم، فالمغرب استطاع أن يكون له قطاع ثانوي وقطاع ثالثي مرتبط بالخدمات أكثر قوة وأكثر دينامية وتنوعا، ولكن نسبة نمو القيمة المضافة داخل هذا القطاع لم تستطع أن تتجاوز السقف الزجاجي (4 في المائة)؛ وهذا ما يفسّر انعدام قدرته على خلق فرص شغل متنامية داخل الاقتصاد الوطني”.
ويظل العامل الثالث المرتبط بمدى نجاعة الاستثمار “أكثر أهمية” وفق توصيف أستاذ الاقتصاد، معتبرا أنه رغم “ضخ الاستثمارات في ماكينة الاقتصاد المغربي بما يمثل 28 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فمعظمُها لا يزال عموميا يفتقر للفعالية في خلق فرص العمل والقيمة المضافة بنسبة تداخُل ضعيف لتلك الاستثمارات بـ0.8 في المائة لكل نقطة نمو يحققها المغرب سنويا”.
كما استحضر المتحدث لهسبريس “مساهمة السياق الدولي غير المستقر عبر سيرورة اللايقين منذ جائحة 2020 (كوفيد-19) لم تعط دفعة مرجوة للاقتصاد الدولي؛ ما ينعكس سلبا على الطلب الخارجي للاقتصاد المغربي؛ مما يحد من فرص العمل والقيمة المضافة”.
ولفت فيرانو إلى أن “بلوغ المغرب مليونا و638 ألف عاطل عن العمل متم 2024، بارتفاع 4 في المائة، هو نتيجة أساسا لتزايد عاطلين في القرى، وفق العوامل المشار إليها آنفا”.
أما بالوسط الحضري فعددٌ من القطاعات تبيّن فقدانها لمناصب عمل، خاصة القطاعات التقليدية كالبناء التي لم تعد قادرة على خلق فرص شغل كافية، مقارنة فقط بعشر سنوات سابقة”.
وأجمل قائلا: “يجب أن تكون هناك نظرة تنموية تشغيلية، (التنمية بالتشغيل أو “التنمية عن طريق التشغيل”). هذا أولوية بالنسبة للاقتصاد الوطني لكي يكون هناك دفعة لقيمة مضافة جالبة لفرص الشغل”، منبها إلى أن “استمرار بطالة العاطلين حديثا وحملة الشهادات العليا والمتوسطة تؤشر إلى فجوة بين منظومة التربية والتعليم وسوق العمل”؛ ما يستدعي مزيدا من الجهد لابتكار وتطوير مهن قطاعات جديدة كالطاقات المتجددة والسيارات والطائرات وكذا صناعة الدفاع بما قد يوفر فرص عمل جديدة”.
0 تعليق