شهدت قاعة العرض، ضمن محور الترجمة إلى العربية، خلال اليوم الأخير من الدورة الـ56 لمعرض الكتاب، ندوة لمناقشة كتاب "ولاؤهم للروح: عشرون شاعرًا أمريكيًا خالصًا نالوا جائزة بوليتزر"، من تأليف وترجمة الدكتورة سارة حامد حواس.
شارك في الندوة الشاعر مصطفى عبادة، والشاعر العراقي علي الشلاه، وأدارها وشارك فيها الشاعر أحمد الشهاوي.
في مستهل النقاش، أشار أحمد الشهاوي إلى أن سارة حواس لم تكتفِ بالترجمة، بل قدمت سيرة متكاملة للشعراء الذين اختارتهم، متعمقةً في دراسة بيئاتهم ومدارسهم الأدبية، ما منح النصوص بُعدًا أكثر عمقًا وقربًا من القارئ العربي. واصفًا منهجها بـ"بلاغة التنسك".
وأوضح أنها اعتمدت على الاقتصاد في الكلمات والتكثيف، ما جعل الترجمة أكثر قوة وتأثيرًا، مؤكدًا أن الترجمة تتطلب زهدًا ودقة في اختيار الكلمات، وهو ما نجحت فيه حواس، إذ أسقطت عن النصوص أي ترهل أو تكرار، واحتشدت بكل ما تملكه من معرفة وثقافة لتقديم نص شعري متكامل.
من جانبها، شددت سارة حواس على أن هذا العمل لم يكن مجرد كتاب مترجم، بل مشروع ثقافي متكامل جاء نتيجة شغفها بالشعر الأمريكي الحديث، الذي لم يحظَ بالاهتمام الكافي في الترجمة العربية.
وأوضحت أن اختيارها للشعراء كان قائمًا على التنوع الثقافي والأصول المختلفة، كما حرصت على ترجمة نصوص لم تُترجم سابقًا، مؤكدة أنها لا تترجم لمجرد الترجمة، بل تقدم للقارئ ما تحبه وتؤمن به.
وأشارت إلى أن الشعر الأمريكي يتميز بتعدد مدارسه وتنوعه، خاصةً من حيث الشكل والبناء، وهو ما يميزه عن الشعر الإنجليزي.
كما أكدت أن معيارها الأساسي في الاختيار كان الشعر الأمريكي الحديث، مع التركيز على التنوع العرقي والثقافي، حيث ترجمت لشعراء من أصول أمريكية وإفريقية وأرمينية وغيرها، ما يجعل الكتاب مرآة حقيقية للحركة الشعرية في الولايات المتحدة.
تطرقت حواس أيضًا إلى واحدة من أكثر النقاط إثارةً للجدل في الكتاب، وهي الشعر الاعترافي، مشيرة إلى أن غالبية الشعراء الذين تبنوا هذا الاتجاه انتهوا بالانتحار، ما جعلها تتساءل عما إذا كانت الكتابة قادرة حقًا على الشفاء.
كما ردت على الانتقادات التي وُجهت إليها بشأن استخدامها للوزن والقافية في الترجمة، موضحة أنها قرأت العديد من الأعمال المترجمة قبل بدء عملها، وكانت حريصة على مخاطبة جميع الفئات، سواء المهتمين بالشعر أو القرّاء العاديين الباحثين عن تجربة شعورية صادقة.
أما علي الشلاه، فأكد أن الكتاب لا يقتصر على تقديم مجموعة من القصائد المترجمة، بل يمنح القارئ بانوراما واسعة عن الشعر الأمريكي الحديث، خاصةً من خلال اختياراته الدقيقة للشعراء الحاصلين على جائزة بوليتزر
وأضاف أن الكتاب لا يقتصر على النصوص فقط، بل يعرض السياقات المختلفة التي نشأ فيها هؤلاء الشعراء، مما يجعله مرجعًا مهمًا لفهم تطور الشعر الأمريكي في العقود الأخيرة.
وأشار الشلاه إلى أن أحد الجوانب اللافتة في الكتاب هو التنوع الكبير في الخلفيات الثقافية للشعراء المختارين، حيث لم تعتمد حواس على الأسماء التقليدية فحسب، بل سعت إلى تقديم أصوات جديدة، خصوصًا من الشعراء ذوي الأصول الإفريقية، الذين قدموا تجارب شعرية متميزة متأثرة بتاريخهم وظروفهم الاجتماعية والسياسية.
كما تحدث عن العلاقة بين الشعر والهوية في الكتاب، موضحًا أن بعض الشعراء الأمريكيين حافظوا على ارتباطهم العاطفي واللغوي بمجتمعاتهم الأصلية، بينما تبنى آخرون هوية أمريكية أكثر عمومية، مما خلق تنوعًا في الأساليب والأفكار داخل النصوص.
وأكد أن حواس نجحت في نقل هذا التنوع بأسلوب سلس دون أن تفقد روح القصائد أو تفرض عليها تأويلات بعيدة عن سياقها الأصلي.
ومن أبرز المحاور التي توقف عندها الشلاه، قصيدة رثاء غواصة كتبها أحد الشعراء المنحدرين من أصول أفريقية، مشيرًا إلى أن هذا النص كان مؤلمًا بشدة، وأظهر كيف يمكن للشعر أن يتحول إلى شهادة تاريخية على لحظات حاسمة، سواء في حياة الأفراد أو الأمم.
الصراعات السياسية
وأوضح أن القصيدة لم تكن مجرد تأمل في الموت، بل كانت أيضًا تعليقًا على الصراعات السياسية والعسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة، ما يعكس كيف يمكن للشعر أن يكون أداة للمقاومة والتوثيق في آنٍ واحد.
من جهته، اعتبر مصطفى عبادة أن وعي المترجم بذاته هو ما يحدد نجاحه، مشيرًا إلى أن سارة حواس استطاعت في كتابها الأول تجاوز مأزق الكاتب المبتدئ، حيث قدمت تجربة ناضجة وواعية.
وأكد أن وعيها الثقافي والوجداني انعكس في اختيارها للنصوص وطريقة تقديمها، مما جعل الكتاب إضافة حقيقية إلى المكتبة العربية.
وأضاف عبادة أن الكتاب، رغم انتمائه للمشهد الشعري العالمي، يحمل رؤية ذاتية واضحة، حيث لم يكن مجرد عمل أكاديمي جامد، بل نصًا نابضًا بالحياة، يتفاعل مع القارئ ويطرح تساؤلات حول دور الترجمة في نقل التجربة الشعرية من ثقافة إلى أخرى.
في ختام الندوة، أجمع الحضور على أن كتاب "ولاؤهم للروح" يمثل إضافة مهمة إلى المكتبة العربية، حيث يعيد تسليط الضوء على التجربة الشعرية الأمريكية، مقدمًا للقارئ العربي قراءة جديدة لهذه النصوص بأسلوب يجمع بين الدقة الأكاديمية والحس الأدبي.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق