لطالما كانت العلاقة بين فرنسا والجزائر مُعقدة، تداخل فيها التاريخ الاستعماري بالجغرافيا السياسية، وامتزجت فيها المصالح بالذكريات المؤلمة.
واليوم، في ظل تصاعد التوتر بين البلدين، يعيد مجلس الشيوخ الفرنسي النظر في واحدة من أقدم اتفاقيات الهجرة التي منحت الجزائريين امتيازات خاصة في فرنسا، وسط تساؤلات بشأن مدى تأثيرها على باريس، وإمكانية أن يشكل إنهاؤها تحولًا جديدًا في العلاقات الثنائية.
دعوات لإنهاء اتفاق 1968
كشف تقرير حديث صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي عن رغبة متزايدة في إنهاء اتفاق 1968، الذي يمنح الجزائريين تسهيلات في السفر، الإقامة، والعمل في فرنسا.
ووفق ما نشر موقع “ذا نورث أفريكا بوست”، الجمعة 7 فبراير 2025، فإن التقرير، الذي أُعدّ في إطار مراجعة سياسات الهجرة الفرنسية، شدد على ضرورة تعديل الاتفاقية أو وقفها بالكامل، معتبرًا أنها لم تعد تتناسب مع المتغيّرات السياسية والاقتصادية الحالية.
وقد صرّح السيناتور أوليفييه بيتز، أحد المشاركين في إعداد التقرير، وهو عضو في حزب “الأفق” (Horizons) اليميني الوسطي أنه يجب أن تجاوز الوضع الراهن، فالتاريخ المشترك بين البلدين، رغم تعقيده، لا يبرر تفضيل الهجرة الجزائرية.
انقسام داخل الساحة الفرنسية
لم يمر التقرير مرور الكرام داخل الأوساط السياسية الفرنسية؛ فبينما دعمه اليمين باعتباره خطوة ضرورية لاستعادة التوازن في العلاقات مع الجزائر، رفضه اليسار الفرنسي معتبرًا أنه سيؤثر سلبًا على العلاقات الثنائية.
وقالت السيناتورة مورييل جوردا، التي شاركت في إعداد التقرير: “عندما تمنح دولة امتيازات، فمن الطبيعي أن تتوقع علاقة متوازنة، لكن الواقع اليوم يظهر علاقة غير متكافئة وغير مواتية لفرنسا”.
تصاعد التوتر بين باريس والجزائر
لم تأتِ هذه الدعوات من فراغ، بل جاءت وسط أجواء متوترة بين باريس والجزائر، حيث تسببت عدة قضايا دبلوماسية في تأجيج الخلافات. أحد أبرز هذه القضايا كان رفض الجزائر استقبال رعاياها الذين رفضت فرنسا بقاءهم على أراضيها، وهو ما اعتبرته باريس تحديًا واضحًا لسيادتها.
الأزمة تفاقمت أيضًا بعد قرار فرنسا دعم سيادة المغرب على الصحراء، ما أثار غضب الجزائر التي اعتبرت هذه الخطوة خروجًا عن الحياد التقليدي لفرنسا في القضية الصحراوية.
قضية بوعلام صنصال
إحدى القضايا الأكثر حساسية في هذا التوتر المتصاعد كانت اعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، الذي يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، على يد السلطات الجزائرية، وجاء الاعتقال بعد مقابلة صحفية صرّح فيها بأن “الحدود الجزائرية تحمل طابعًا استعماريًا”، وهو ما أثار جدلًا واسعًا داخل الجزائر واستياء في فرنسا.
ورغم الضغوط السياسية الفرنسية، بما في ذلك دعوات الرئيس إيمانويل ماكرون للإفراج عنه، رفضت الحكومة الجزائرية الاستجابة لهذه المطالب، متجاهلة جميع النداءات الفرنسية، مما أدى إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.
هل تنتهي الامتيازات الجزائرية؟
في ظل هذه التوترات، بدأت الحكومة الفرنسية تفكر في مراجعة الامتيازات الخاصة التي يتمتع بها الجزائريون في دخول وإقامة فرنسا.
صرّح وزير الداخلية الفرنسي بأن الجزائر “تجاوزت الخطوط الحمراء”، متوعدًا بإجراءات جديدة قد تشمل تقليص الامتيازات الممنوحة للنخبة السياسية الجزائرية، في خطوة قد تكون الأولى نحو إعادة صياغة العلاقة بين البلدين.
قطيعة أم إعادة توازن؟
تبقى العلاقات الفرنسية الجزائرية أمام مفترق طرق حاسم، بين احتمالات التصعيد أو إعادة التوازن، ويبدو أن إنهاء اتفاق 1968 قد يكون مجرد بداية لتحولات أعمق في السياسة الفرنسية تجاه الجزائر، خاصة في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة في فرنسا لمراجعة سياسات الهجرة والعلاقات مع دول شمال إفريقيا.
ما هو مؤكد حتى الآن أن العلاقة بين البلدين تمر بمرحلة مفصلية قد تعيد رسم مسارها لعقود قادمة، بينما ستكشف الأيام المقبلة عن اتجاه هذا التحول وتأثيراته على المستقبل المشترك.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق