عبدالحليم قنديل:خطة محو الفلسطينيين

0 تعليق ارسل طباعة

بفوائض عجرفة وجهالة مفزعة بالتاريخ والجغرافيا ، وعلى نحو فاق كل توقع جنونى ، قرر الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" شطب القضية الفلسطينية من جدول أعمال التاريخ والمستقبل ، والاستيلاء الأمريكى المباشر على جغرافيا قطاع "غزة" ، وطرد ملايين الفلسطينيين بالجملة ، وبدعوى إعادة إعمار "غزة" وجعلها "ريفيرا" الشرق الأوسط ، وتحويلها إلى "ملكية أمريكية طويلة الأمد" ، وجلب آخرين من غير الفلسطينيين لسكناها ، ومن دون استبعاد إقامة مستوطنات "إسرائيلية" فيها ، بعد جلب وحلب أموال عربية ودولية ـ غير أمريكية ـ لتمويل عملية سرقة "غزة" ، التى تستغرق  ـ بحسب أوهامه ـ مدة 15 سنة ، أى نحو أربعة أضعاف مدة بقاء "ترامب" نفسه فى البيت الأبيض.


 ولا حاجة للتذكير بما هو معروف، فقد أثبت "ترامب" أنه "أعظم صديق " لكيان الاحتلال فى البيت الأبيض ، كما قال عنه فى حضرته "بنيامين نتنياهو" رئيس وزراء العدو ، ولولا اعتبارات التحايل اللفظى، لقال "نتنياهو" أن ترامب هو أعظم خادم للصهيونية  فى تاريخها على الإطلاق ، و"ترامب" نفسه يفخر بما فعله ويفعله فى خدمة الكيان ، خلال ولايته الأولى وما مضى من أيام الولاية الثانية ، وكرر مزهوا قبل وبعد لقائه الأخير مع "نتنياهو" ، أنه هو الذى أيد اعتبار القدس بكاملها عاصمة أبدية موحدة لكيان الاحتلال ، إضافة لتأييده ضم هضبة "الجولان" لسيادة كيان العدو ، وأجبر دولا عربية عديدة على الانضمام لاتفاقات "إبرهام" فى ولايته الرئاسية الأولى ، وأعاد فتح كل مخازن السلاح الأمريكى بلا أسقف للكيان ، وقرر الانسحاب ووقف تمويل وكالة "الأونروا" لرعاية وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، كما الانسحاب من المجلس الدولى لحقوق الإنسان  المعادى ـ فى رأيه ـ للسامية والصهيونية ، ووقف تمويل "اليونسكو" المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة ، فوق إعادة فرض سياسة الضغوط الاقتصادية القصوى على "إيران" الممولة لمنظمات معادية للكيان ، وكانت تلك كلها وغيرها مجرد مقبلات تسبق تقديم الطبق الرئيسى ، المتمثل فى حل مشكلة الفلسطينيين بشطب وجود الفلسطينيين من أصله ، وطردهم جميعا ، ليس من "غزة" وحدها ، بل من الضفة الغربية أيضا ، التى قال "ترامب" أنه يستعد لإصدار قراره بشأنها خلال أسابيع ، والذى لن يكون على الأغلب ، سوى تأييد ضم الضفة بكاملها تقريبا للكيان ، وربما شفعه بخطة لطرد ملايين الفلسطينيين منها ، أسوة بخطته لطرد ملايين "غزة" ، وبطريقة تجاوزت أحلام أشد المتطرفين داخل الكيان ، الذين ظلوا لعشرات السنوات يخططون ، ويدعون لطرد الفلسطينيين والتخلص منهم نهائيا ، ثم جاء "ترامب" ليعد بتحقيق أحلامهم بجرة قلم ، الأمر الذى جعلهم فى ذهول الفرح ، وجعل حلمهم ببناء "إسرائيل الكبرى" أقرب من طرف الإصبع ، وفتح الطريق النهائى لتصفية كل وجود فلسطينى على أرض فلسطين التاريخية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ، وربما التوسع خارج فلسطين فى الأردن ولبنان وسوريا وربما مصر ، فلم يعبأ "ترامب" فى تصريحاته برفض مصر والأردن لتهجير الفلسطينيين ، وكرر الطلب إلى مصر والأردن بتوفير قطع أراضى بديلة لوضع ملايين الفلسطينيين المطرودين فيها ، وأعلن صراحة أنه لا فرصة فى مخططه لإقامة أى كيان أو دولة فلسطينية فى أى وقت ، وأسقط أقنعة المداورات كلها ، وأكد ومن بعده وزير خارجيته الصهيونى "ماركو روبيو" ، أن واشنطن تعد لعملية الاستيلاء على "غزة" وتنفيذ عملية التهجير ، وجاء ذلك طبيعيا متسقا ، فإن كان "نتنياهو" يقود حكومة اليمين الدينى المتطرف فى "تل أبيب" ، فإن "ترامب" شكل طاقم إدارته فى الشرق الأوسط بالذات ، على نحو جعل "حكومة إسرائيل فى واشنطن " أكثر تطرفا وهمجية من مثيلتها داخل الكيان ، وإذا كان "نتنياهو" يقود حكومة يمين توراتى فى تل أبيب ، فإن "ترامب" يقود حكومة يمين مسيحى متطرف أكثر ولاء وإيمانا بالكيان "الإسرائيلى" قبل أى شئ آخر ، تسيطر على الكونجرس الأمريكى بمجلسيه ، وعلى وزارة الخارجية بالكامل ، كان الصهاينة اليهود هم عماد المناصب الكبرى فى وزارة خارجية الرئيس السابق "جو بايدن" ، وأصبح الصهاينة المسيحيون هم عماد وزارة خارجية "ترامب" ، حتى أن السفير الذى عينه فى "إسرائيل" أكثر صهيونية من "نتنياهو" و"بن غفير" و"سموتيريتش" ، السفير اسمه "مايك هاكابى" ، وقد كان قسا ومبشرا إنجيليا قبل أن ينتقل إلى ميدان السياسة ، وهو يرفض من الأصل مصطلح الضفة الغربية ، ويصفها كغلاة التوراتيين بأنها "يهودا والسامرة" ، ويعتبر أنه لا وجود ولا حقوق لشئ اسمه الشعب الفلسطينى ، ويتحدث عن استيطان الضفة كحق طبيعى ثابت لليهود وحدهم (!)  ، تماما كرئيسه "ترامب" الذى يدعم حرب الإبادة "الإسرائيلية" الجارية فى الضفة اليوم ، ويمهد لإعلان قراره بضم الضفة كلها أو أغلبها لكيان "إسرائيل" نهائيا ، ويعول على تنفيذ خطته الجنونية فى "غزة" ، على أن تبدأ بعد أو بدلا من المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار ، وقد كان "ستيف ويتكوف" مبعوث "ترامب" فى مفاوضات وقف النار صريحا بما يكفى وزيادة ، حين أعلن قبل "ترامب" وبعده ، أن الهدف من المرحلة الثانية هو استكمال إطلاق سراح كل المحتجزين "الإسرائيليين" والأمريكيين الأحياء ، وأن مخطط المرحلة الثالثة الموضوع يحتاج إلى ما أسماه "إعادة ضبط" ، وانتظار عملية تهجير الفلسطينيين من "غزة" قبل أى حديث عن إعادة إعمار ، فيما وضع "ترامب" الوسطاء العرب فى التفاوض تحت الضغط ، وأعلن ـ غير مرة ـ أنه لا ضمانات عنده باستمرار وقف إطلاق النار ، وأن كل الخطوات التالية موقوفة على قبول خطة التهجير واستيلاء أمريكا على "غزة" ، ربما ليضمن أنه لن يكون من دور لحركة حماس بعد الحرب ، ولن يكون من دور لأى فلسطينى آخر ، لأنه لن يكون من فلسطينيين أبدا فى "غزة" بحسب الخطة الترامبية .
 ولا تبدو ردود الأفعال الفلسطينية والعربية متناسبة مع التطور الأخير الأخطر بامتياز ، صحيح أن الكل لم يقصروا فى عادة الشجب والتنديد ، أو اعتبار أن "وعد ترامب "أخطر من " وعد بلفور" ، وهذا صحيح ، فقد أعطى "وعد بلفور" ما أسماه "وطنا قوميا لليهود" فى فلسطين ، لكن "وعد ترامب" يعطى اليهود فلسطين كلها وللأبد ، ويحجب عن الشعب الفلسطينى مجرد حق الوجود فوق أرضه (!) ، وحين يتحدث "ترامب" عن الاستيلاء الأمريكى على "غزة" ، فقد لا يعنى ـ بالضرورة ـ إرسال قوات أمريكية لاحتلال غزة ، وعنده قوات "الجيش الإسرائيلى" الذى هو "جيش أمريكى" يكلفه بالمهمة ، فوق وجود قواعد مباشرة باسم الجيش الأمريكى نفسه فى صحراء النقب المحتلة وغيرها ، مع إمكان تحريك أساطيل أمريكا وحاملات طائراتها الضخمة إلى شواطئ "غزة" ، وإعطاء الامتيازات للشركات الأمريكية لاحتكار التنقيب عن البترول والغاز فى بحر "غزة" ، وإنزال قوات "المارينز" على شاطئ "غزة" ، وفرض الحماية الأمريكية المباشرة المعلنة لقوات الاحتلال "الإسرائيلى " فى "غزة" عبر 60 قاعدة أمريكية موزعة فى دول الخليج والمشرق العربى، ومع أن خطة "ترامب" الجديدة تبدو خيالية بما يكفى وخارج التوقعات ، فإن مقاومتها وإحباطها فى المهد ممكنة ، ليس فقط لأنها تطيح بكل قواعد القانون الدولى ، ونزوات "ترامب" لا تقيم وزنا على أى حال للقانون ولا للأمم المتحدة ومنظماتها ، ولن يعجب أحد لو قرر انسحاب واشنطن من الأمم المتحدة ، أو طرد مقرها الزجاجى من "نيويورك" ، فهو يؤمن بما يسميه "السلام المفروض بالقوة " ، ويعتقد أن لديه القوة الكافية لفرض ما يريده ، ويعتبر أن الدول التى رفضت خطته لتهجير الفلسطينيين سوف ترضخ لأوامره فى نهاية الأمر ، وهذا هو التحدى المطروح اليوم على الشعب الفلسطينى والأمة العربية ونظمها الحاكمة ، فلا معنى يذكر لبيانات الشجب والتنديد وإبداء الامتعاض ، ولا لتكرار اللغو الممل عن طلب الوساطة الأمريكية وغيرها ، وكل ذلك صار مزاحا أسخف من سخف "ترامب" نفسه ، ولا بد من التعامل مع التحدى غير المسبوق على نحو مختلف جذريا ، أولا : بتعبئة تحرك دولى جامع ضد همجية "ترامب" ، واستصدار قرارات أممية لتجريم أى ترحيل للفلسطينيين من وطنهم ، وثانيا : بدعوة كل الأطراف العربية التى لها علاقات مع "إسرائيل" لقطعها فورا ، وإبقاء كل الخيارات مفتوحة دون حد أقصى ، وإعداد خطة إعمار بديلة عاجلة ، وثالثا : بإعلان الاتحاد السياسى الفلسطينى وإقامة إدارة فلسطينية موحدة دون إبطاء على أراضى "غزة" والضفة والقدس المحتلة ، فلم يعد من وقت ولا مجال للتسويفات والمماطلات الداخلية بين "فتح" و"حماس" وغيرهما ، ولا لرفض خيار المقاومة الفلسطينية المسلحة ، ولا لمعاندة إرادة الشعب الفلسطينى المصمم على نيل حقوقه كلها ، وأبسطها حقه المطلق فى تقرير مصيره ، وحقه وواجبه فى الثبات فوق أرضه المقدسة ، وهزيمة خطط الإبادة الأمريكية "الإسرائيلية" إفناء وتهجيرا  ، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون .

إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق