أصبح للبنان حكومة طال انتظارها نحو أكثر من عامين، وقد أبصرت النور وسط عاصفة من الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية، فيما يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تأليف نواف سلام مجلس الوزراء الجديد إثر الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه البلد منذ عام 2019، والذي تَفاقم بشدة نتيجة الحرب الأخيرة.
تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة
في ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، تجاوز رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة، وولدت حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، وهي الحكومة الـ78 بعد الاستقلال والـ21 بعد الطائف، والحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون.
وكان نواف سلام كُلّف في 13 يناير الماضي، بتشكيل حكومة جديدة، ولم تبصر الحكومة النور حتى هذا اليوم.
البرلمان اللبناني ينتخب الرئيس الجديد
وبعد فراغ رئاسي استمر لأكثر من عامين نتيجة خلافات سياسية، انتخب البرلمان اللبناني في 9 يناير الماضي جوزاف عون رئيساً للبلاد، بحصوله على دعم 99 نائباً من أصل 128.
وبعد أيام من انتخابه، استدعى عون القاضي نواف سلام، الذي كان يشغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية، لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد نيله 84 صوتاً في البرلمان.
وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.
الرئيس المكلف نواف سلام، أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا "أؤكد أن الإصلاح هو الطريق إلى الإنقاذ عبر تطبيق الـ1701 وتطبيق وقف إطلاق النار".
وأضاف "أضع نصب عيني قيام دولة القانون والمؤسسات وسأعمل مع رئيس الجمهورية وفق خطاب القسم على انطلاقة جديدة للبلد".
ماذا بعد صدور مرسوم التكليف؟
بعد الاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على التشكيلة الحكومية، وإصدار الرئيس عون مرسوم تشكيل الحكومة بالتوقيع مع رئيس الحكومة، ستكون الخطوة التالية وضع رئيس الحكومة بياناً وزارياً يُحدد فيه برنامج عمل الحكومة وأهدافها، ثم يعرضه على مجلس النواب في جلسة عامة لنيل الثقة، ليبدأ العمل التنفيذي للحكومة رسمياً.
بشرى الحكومة الجديدة التي انتظرها اللبنانيون طويلاً، ليست آخر المطاف، بل برنامج عمل الحكومة وقراراتها التنفيذية وخطواتها في مواجهة التحديات المالية والاقتصادية والسياسية.
خطة التعافي في لبنان
ورشة التعافي في لبنان تحتاج إلى جهود كبيرة لمعالجة عدة ملفات من بينها، وضع خطة شاملة لإعادة جدولة الدين وتخفيف عبء الفوائد. تعزيز الإنتاجية: الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، وتشجيع الاستثمار عبر توفير بيئة تشريعية ومناخ استثماري جاذب لرؤوس الأموال، وتحسين البنية التحتية عبر تطوير شبكات النقل والطاقة والاتصالات، والاستثمار في التعليم والصحة عبر بناء رأس مال بشري قادر على قيادة عجلة النمو.
المساعدات الخارجية
بداية يتطلع لبنان إلى عودة المساعدات الدولية وعلى رأسها المساعدات الأمريكية والخليجية.
كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأمريكية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني.
ويعد هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقما كبيرا يعكس أهمية هذا الدعم في العجلة الاقتصادية.
تطبيق القوانين الإصلاحية
الإصلاحات تأتي على رأس الأولويات التي يحتاجها لبنان واللبنانيون لانطلاق قطار البناء والإنقاذ.
في السنوات الماضية، أقر البرلمان اللبناني عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية.
ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين وسط الخلافات السياسية والانقسامات الحادة التي عطلت المؤسسات، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.
معالجة القضايا المالية
تحدي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الأمر الذي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً.
ومعالجة الديون أمر بالغ الأهمية حيث تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.
إعادة الإعمار
وتنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبرى، أبرزها إعادة الإعمار ذات الكلفة الباهظة.
بعد الحرب تم إحصاء وجود نحو 110 آلاف وحدة سكنية متضررة، ما بين 40 و50 وحدة سكنية دُمّرت بشكل كامل، و60 ألفاً متضررة بشكل شِبه كامل، وأضف إلى ذلك أن هناك ما بين 30 و40 قرية أمامية دمرت بالكامل.
كلفة إعادة أعمار المنازل المدمرة إثر الحرب الإسرائيلية التي استمرت شهرين، تبلغ نحو 5 مليارات و500 مليون دولار، بينما كلفة الحرب الإسرائيلية على الاقتصاد اللبناني، تتجاوز تقديرات البنك الدولي لحجم الخسائر التي تكبدتها البلاد عند 8.5 مليار دولار في أكتوبر الماضي، وذلك بسبب استمرار الحرب حتى نهاية شهر نوفمبر الماضي.
مرحلة شاقة ستمر بها الحكومة، المتوسطة الأجل إلى حين إجراء الانتخابات النابية في العام 2026، ستطلب جهوداً كبيرة لتبعث. الأمل من جديد في نفوس اللبنانيين وتنقل البلاد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق