الصندوق السيادي في الجزائر والنرويج .. مقاربة عبثية بخرجة بهلوانية

0 تعليق ارسل طباعة

قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن النظام العسكري الجزائري قام بعملية بهلوانية ماسخة بإنشاء صندوق ضبط الموارد سنة 2000، مضيفًا أن هذا الصندوق “أصبح عبارة عن عجلة إنقاذ لسيارة النظام العسكري المهترئة”، بدلًا من تحقيق أهداف استراتيجية واستثمارات كما تفعل الدول الأخرى بصناديقها السيادية.

وأشار عبد الله بوصوف، في مقال له بعنوان “عبثية مقارنة الصندوق السيادي النرويجي ومثيله الجزائري”، إلى أن النرويج أصبحت المورد الأول للغاز الطبيعي لأوروبا، وصندوقها السيادي تجاوز 1600 مليار دولار، في حين لا يجرؤ أحد في الجزائر على المطالبة بتقارير صندوق ضبط الموارد، موضحًا أن النظام العسكري “يواصل إهدار عائدات الغاز والبترول في تسليح عصابة البوليساريو”.

نص المقال:

لا يمكن لعاقل أن يمنع نفسه من مجرد طرح أسئلة عابرة حول “جار العالم الآخر”؛ إذ كيف تمكن النظام العسكري من تبرير تبديد هذه الثروة الباطنية الهائلة التي يملكها الشعب الجزائري؟ وهل صحيح أن الشعب تم حقنه بمساعدات وإعانات تخديرية تافهة؟ وكيف لشعب عشق الحرية واضطر للاحتماء بأشقائه المغاربة في أكثر من مناسبة أن يعتنق لغة الصمت إلى ما لا نهاية؟

هذه بعض الأسئلة البسيطة التي لا يمكنك أن تمنع نفسك من طرحها وأنت تقرأ أرقام ومنجزات دول بترولية شقيقة أو أعضاء في منظمة “أوبك”.

وقد يرتفع مستوى الفضول لديك وأنت تتأمل تقارير عن الصناديق السيادية للدول البترولية. بل قد تصاب بالدهشة وأنت تطالع أرقام جهاز الاستثمار في أبوظبي (800 مليار دولار)، وجهاز الاستثمار الكويتي (750 مليار دولار)، وصندوق سنغافورة (750 مليار دولار)، فضلًا عن الصناديق السيادية في السعودية وقطر والصين، والتي تلعب دورًا كبيرًا في سياسات الاستثمار والادخار.

وفي سنة 2000، قام النظام الجزائري بعملية بهلوانية ماسخة بإنشاء “صندوق ضبط الموارد” (بمثابة صندوق سيادي)، والذي اعتبره العديد من المتخصصين في السياسات المالية مجرد حساب مالي تابع لوزارة المالية.

ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يحقق هذا الصندوق أهدافًا استراتيجية واستثمارية، أصبح مجرد عجلة إنقاذ لسيارة النظام العسكري المهترئة.

لكن المراهقة السياسية المتأخرة التي ما زال يعيشها قادة النظام العسكري منذ ستينيات القرن الماضي، ولهثهم وراء إلحاق الضرر المادي والمعنوي بصورة المغرب أو محاولات إرهاقه سياسيًا من خلال ملف مغربية الصحراء، جعلتهم يتناسون تنمية بلادهم. هذا الملف يعرف دينامية إيجابية لن تتوقف لمجرد خبر زائف هنا أو خرجة إعلامية مجروحة هناك، خاصة بعد الاعترافات التاريخية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا، التي وقعت مع المغرب على جيل جديد من المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بمغربية الصحراء، كان آخرها افتتاح مركز ثقافي فرنسي في الأقاليم الصحراوية يوم 8 فبراير الجاري من طرف وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي.

إن هذه الحالة المرضية جعلت النظام ينشر تقارير عن ميزانيات التسليح بأرقام خيالية وعقود عسكرية مكلفة جدًا، بعيدة عن الهم اليومي للشعب الجزائري ومعاناته مع طوابير الحليب واللحم والأرز، بينما يمتنع عن نشر تقارير دورية عن “صندوق ضبط الموارد”، كما تفعل كل الدول مع صناديقها السيادية.

وقد يتوقف عقلك عن التفكير وأنت تقرأ عن الصندوق السيادي النرويجي وكيف تضاعفت مداخيله ثلاث مرات منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 وتداعيات أزمة الطاقة والكهرباء وحروب أنابيب الغاز الطبيعي. ففي الوقت الذي أصبحت فيه النرويج المورد الأول لأوروبا بالغاز الطبيعي، تمركزت الجزائر في المرتبة الثانية، ما يعني تحقيقهما معًا مداخيل غير مسبوقة واحتياطات غير محدودة من العملة الصعبة.

وفي حين تنشر النرويج تقارير عن مداخيل صندوقها السيادي، الذي تجاوز 1600 مليار دولار، وخريطة استثماراته العالمية، في إطار احترام المواطن النرويجي وتحت رقابة وزارة المالية والبرلمان، لا يجرؤ أحد في الجزائر على المطالبة بتقارير صندوق ضبط الموارد. لا أحد يستطيع انتقاد هذه المعادلة غير المقبولة: ارتفاع الطلب على الغاز الجزائري مع زيادة الأسعار، بينما يبقى الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الجزائري كما هو، باستثناء أفراد النظام العسكري الذين يرفلون في نعيم الغاز الطبيعي ويتسابقون لتسليح عصابات البوليساريو وجماعات إرهابية في الساحل لتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة.

أعتقد أن عقدة النظام العسكري تجاه المغرب قد شلت تفكيرهم عن تنمية الجزائر وتحقيق رفاهية شعبها. لقد وصل النظام الجزائري إلى مرحلة الشيخوخة والوهن، ودخل في حالة موت إكلينيكي بتضييعه فرص النهوض بالصندوق السيادي، كما تفعل دول الخليج أو الصين والنرويج، مفضلًا إهدار عائدات الغاز والبترول في تسليح عصابة البوليساريو وتوطينها في مخيمات تندوف لأكثر من أربعة عقود.

في زمن تغيرت فيه مفاهيم لغة الأرقام والذكاء الاصطناعي والاستراتيجيات، أصبح الاستثمار في الصناديق السيادية ضرورة. سنكون حقًا أمام مشهد عبثي ونحن نحاول مقارنة عائدات الصندوق السيادي النرويجي لسنة 2024، التي وصلت إلى 224 مليار دولار. فهل يجرؤ النظام الجزائري على إعلان مداخيل “صندوق ضبط الموارد” لسنة 2024؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق