أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بشأن “الاستيلاء” على كندا وجرينلاند وقناة بنما المخاوف الدولية، ورغم جرأة الطرح، فإنه يعكس رؤية استراتيجية أوسع تمزج بين القومية الاقتصادية وإعادة تأكيد النفوذ العالمي لواشنطن.
وتكشف أيضًا عن أن طموحات ترامب الإقليمية متجذرة في تفاعل معقد بين العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، والتي تشكل جزءًا لا يتجزأ من إطار سياسته الخارجية الأوسع وتحمل تداعيات كبيرة على العلاقات الدولية.
سياق تاريخي
مجلة “أوراسيا ريفيو”، ذكرت في تقرير نشرته الأحد 12 يناير 2025، أن الولايات المتحدة تتمتع بتاريخ حافل من التوسع الإقليمي، منذ شراء لويزيانا إلى ضم هاواي، وتستند مقترحات ترامب الحالية، رغم كونها غير مسبوقة في نطاقها، إلا أنها تعكس عالمًا حيث القوة الاقتصادية والموارد الاستراتيجية حاسمة مثل الأرض نفسها.
وأضافت أن أجندة ترامب “أمريكا أولا” تسعى إلى إعادة تموضع الولايات المتحدة كلاعب عالمي مهيمن، والاستفادة من قوتها الاقتصادية والعسكرية لتأمين شروط تجارية وأصول استراتيجية تتوافق مع مصالحها، موضحةً أن اقتراح ترامب بأن تصبح كندا الولاية الأمريكية رقم 51 اقتراح رمزي أكثر منه جدي، لكنه يسلط الضوء على التفاعل المعقد في العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا.
وأوضحت أن هذا التكامل الاقتصادي متشابك أيضًا مع السياسة الإقليمية، إن سياسات ترامب الحدودية، بما في ذلك بناء الحواجز المادية وضوابط الهجرة الأكثر صرامة، تؤكد على جهد أوسع لإعادة تعريف الحدود بين الولايات المتحدة وكندا كمنطقة سيطرة اقتصادية وأمنية، ويهدف خطاب ترامب إلى الاستفادة من اعتماد كندا الاقتصادي على الولايات المتحدة لتحقيق تنازلات تجارية استراتيجية.
جرينلاند والموقع الاستراتيجي
قالت المجلة إن جرينلاند، بطبقاتها الجليدية الشاسعة وموقعها الاستراتيجي في القطب الشمالي، تمثل مزيجًا فريدًا من الموارد الطبيعية والأهمية الجيوسياسية، ويعكس اهتمام ترامب بالاستحواذ على جرينلاند استراتيجية أمريكية أوسع نطاقًا لتأمين مصالحها في القطب الشمالي، وهي منطقة تزداد أهمية بسبب تغير المناخ وفتح ممرات شحن جديدة.
وأضافت أن إمكانات جرينلاند لاستخراج الموارد، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة والهيدروكربونات، تتوافق مع تأكيد ترامب على الاستقلال في مجال الطاقة والاكتفاء الذاتي الاقتصادي، ويسمح الموقع الاستراتيجي لجرينلاند بتعزيز المراقبة العسكرية وقدرات الدفاع، وهو أمر بالغ الأهمية في منطقة تعمل فيها الصين وروسيا على توسيع وجودهما.
قناة بنما والتجارة العالمية
قالت المجلة إن قناة بنما، وهي إحدى أكثر طرق الشحن أهمية في العالم، كانت نقطة محورية للسياسة الخارجية الأمريكية منذ إنشائها، وتعكس انتقادات ترامب لهيكل الرسوم الحالي، واقتراحه بأن تستعيد الولايات المتحدة السيطرة، المخاوف بشأن العدالة الاقتصادية والأمن الاستراتيجي.
وأوضحت أن قناة بنما ليست مجرد أصل اقتصادي بل هي ممر جيوسياسي ذو أهمية بالغة، وأن تهديدات ترامب بالتدخل جاءت مدفوعة بمخاوفه من أن تكتسب الصين نفوذًا على هذا الشريان التجاري الحرج، ما قد يقوض المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية، ما يسلط الضوء على المنافسة المستمرة بين واشنكن وبكين على النفوذ العالمي.
الضغط الاقتصادي والعسكري
قالت المجلة الأمريكية إن السياسة الخارجية لترامب غالبًا ما تستخدم مزيجًا من الإكراه الاقتصادي والردع العسكري لتحقيق أهدافها، وفي حالة كندا وجرينلاند وقناة بنما، من المرجح أن يكون الضغط الاقتصادي هو الأداة الأساسية، وقد يشمل ذلك التعريفات الجمركية، أو القيود التجارية، أو أشكال أخرى من النفوذ الاقتصادي المصممة للتأثير على قرارات تلك الدول.
وأضافت أن استخدام القوة العسكرية يظل بمثابة خلفية لهذه المفاوضات، فلم يستبعد ترامب العمل العسكري في السيناريوهات المتطرفة، رغم أن هذا هو أكثر من مجرد أداة خطابية من خيار سياسي عملي، مشيرةً إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن بين الدبلوماسية الحازمة والحاجة إلى الحفاظ على التحالفات وتجنب زعزعة استقرار العلاقات العالمية.
مستقبل السياسة الإقليمية
أشارت المجلة إلى أن المجتمع الدولي استجاب لمقترحات ترامب بمزيج من التشكك والانزعاج، حيث أعلنت الدنمارك بحزم أن جرينلاند ليست للبيع، بينما رفضت كندا أي فكرة لتصبح جزءًا من الولايات المتحدة، فيما قاومت بنما مزاعم ترامب، مؤكدة على سيادتها على القناة.
وتؤكد ردود الفعل هذه على التحديات التي تواجه طموحات ترامب الإقليمية، وتخاطر أيضًا بتوتر العلاقات الأمريكية مع الحلفاء الرئيسيين وتقويض التعاون الدولي، لافتة إلى أن تصرفات ترامب قد تشكل سابقة خطيرة، وتشجع الدول الأخرى على متابعة مطالبات إقليمية مماثلة، في إطار عالم أصبحت الحدود الإقليمية فيه سائلة بشكل متزايد.
مستقبل السياسة العالمية
تعكس طموحات دونالد ترامب الإقليمية تحولًا أوسع في السياسة الخارجية الأمريكية نحو موقف أكثر حزمًا وقومية، وبينما يتنقل العالم بين تعقيدات العولمة والمنافسة المتزايدة بين القوى الكبرى، تسلط مقترحات ترامب الضوء على التطور المستمر للعلاقات الدولية.
وسواء كانت هذه الطموحات تؤدي إلى تغييرات إقليمية كبيرة أو مجرد أدوات تفاوضية، فإنها تؤكد على أهمية الموارد الاستراتيجية، والنفوذ الاقتصادي، والقوة العسكرية في تشكيل السياسة العالمية، وبينما يراقب المجتمع الدولي هذه التطورات، ستظل طموحات ترامب الإقليمية نقطة محورية للاهتمام والنقاش العالمي في السنوات القادمة.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق