قناة بنما المهددة من ترمب.. ماذا تعرف عنها وما أهميتها لتجارة الطاقة العالمية؟

0 تعليق ارسل طباعة

عادةً ما تثار التساؤلات حول قناة بنما وأهميتها بالنسبة لتجارة الطاقة العالمية، مع كل اضطراب يحدث في قناة السويس، المنافس الأكبر المجاور لكبار مصدّري النفط والغاز في الشرق الأوسط.

وأدت الاضطرابات الأمنية الممتدة حول مضيق باب المندب في البحر الأحمر، منذ نهاية عام 2023، إلى انخفاض حركة تدفقات النفط والغاز والتجارة العالمية عبر قناة السويس، مع لجوء كثير من الناقلات إلى طرق بديلة مثل رأس الرجاء الصالح وقناة بنما، ورغم هدوء الاضطرابات، فإن حركة المرور لم تعد لطبيعتها بعد.

وتحول الجدل حول قناة بنما -مؤخرًا- إلى صراع سيادة بين الولايات المتحدة ودولة بنما المجاورة في ظل تهديدات الرئيس دونالد ترمب بضم القناة إلى بلاده بالقوة العسكرية.

ويعترض ترمب، الذي نُصِّبَ رسميًا في 20 يناير/كانون الثاني 2025، على الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على السفن والناقلات الأميركية المارّة من القناة وإليها، إضافة إلى الوجود الصيني المتزايد في مشروعاتها وتوسعاتها.

وتجيب وحدة أبحاث الطاقة -مقرّها واشنطن- في هذا التقرير على أبرز الأسئلة المثارة حول قناة بنما وأهميتها للولايات المتحدة وتجارة الطاقة العالمية.

تاريخ قناة بنما من إسبانيا إلى أميركا

تعود فكرة الربط بين المحيطَين الأطلسي والهادئ إلى بدايات القرن الـ16، وتحديدًا عام 1513، عندما وجد المستكشف الإسباني فاسكو نونييث (Vasco Núñez) شريطًا رفيعًا من الأرض يفصل بين المحيطين، ويقع في بنما.

وأمر ملك إسبانيا والإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت (شارلكان أو كارل الخامس) بإجراء دراسة حول المسار المحتمل، لتسهيل حركة السفن بين إسبانيا وبيرو، والحصول على الأفضلية الإستراتيجية والعسكرية على البرتغاليين، لكن المشروع لم يُنفَّذ.

وفي القرن الـ18، طرح الرئيس الأميركي توماس جيفرسون فكرة إنشاء القناة من جديد، بصفتها طريقًا آمنًا للسفن الأميركية، مقارنة بالإبحار حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية، لكن المشروع لم يُنفَّذ، إلى أن تبنّاه الفرنسيون في القرن الـ19.

ففي عام 1881، فوّضت الحكومة الفرنسية فرديناند ديليسبس لإدارة مشروع حفر قناة بنما، استنادًا إلى خبرته السابقة والنجاح الذي حقّقه في حفر قناة السويس المفتَتَحة قبل 12 عامًا من ذلك التاريخ (عام 1869).

وعلى عكس تجربة مصر، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى وقف المشروع بعد 8 سنوات من العمل، مع انتشار الحمى الصفراء والملاريا في صفوف العمال، ما أودى بحياة 22 ألف عامل.

وجاء وقف العمل بمشروع قناة بنما بعد إنفاق 287 مليون دولار أميركي، ما أدى إلى إفلاس ديليسبس وإحالته هو وابنه تشارلز للمحاكمة بتهمة إهدار المال العام، وحُكِم عليهما بالسجن والتغريم المالي، حسب تقرير تاريخي منشور بموقع بي بي سي.

وفي عام 1902، اشترت الولايات المتحدة (في عهد الرئيس ثيودور روزفلت) حقوق قناة بنما من الفرنسيين، ثم وقّعت اتفاقية عام 1903 مع كولومبيا يمنحها حق بناء القناة وإدارتها لأجل غير مسمى، وكانت القناة في ذلك الوقت تحت سيطرة كولومبيا قبل انفصال بنما عنها في العام نفسه.

النظام الهندسي لقناة بنما
النظام الهندسي لقناة بنما- الصورة من موقع القناة

وبدأت الولايات المتحدة استكمال العمل في القناة منذ عام 1904، وفق تصميم هندسي مختلف يعتمد على بناء سدّ يوفر لها المياه على نهر تشاجرز، وكان هذا أكبر تحدٍّ أمام نجاح المشروع.

ومع ذلك، فقد نجح اثنان من كبار المهندسين الأميركيين في بناء سد مادن، وإكمال أعمال القناة في 10 سنوات، وتحديدًا في 15 أغسطس/آب 1914، أي قبل عامين من الخطة الزمنية المستهدفة، وافتُتِحَت القناة رسميًا عام 1916.

وما زالت الأعمال الهندسية لبناء قناة بنما رغم قِدَمها تُذكَر على سبيل الأمثلة الإعجازية في تاريخ الهندسة الحديثة، حيث تصفها الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين بالأعجوبة.

لماذا تعمل قناة بنما بنظام الأهوسة؟

يبلغ طول قناة بنما 80 كيلومترًا، وهي ثاني أكبر القنوات المائية الاصطناعية (بناها الإنسان) بعد قناة السويس، وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ من خليج ليمون إلى خليج بنما.

ونظرًا لارتفاع سطح البحر بين المحيطين الأطلسي والهادئ عند قناة بنما إلى 26 مترًا، فإن مرور السفن من القناة يعتمد على نظام الأهوسة المزودة بمحابس (ممرات تحجز المياه في مستويات معينة) للمساعدة على رفع السفن وخفضها من مستوى إلى آخر حسب وزنها، خلافًا لقناة السويس التي تعمل دون أهوسة لتقارُب منسوب المياه بين البحرين الأحمر والمتوسط.

ويبلغ عدد الأهوسة المساعدة في القناة 12 هويسًا، بنيت على شكل أزواج لتمكين السفن من المرور في كلا الاتجاهين في آن واحد، و يبلغ طول الهويس قرابة 300 متر بعرض 34 مترًا وعمق 20 مترًا.

وتعمل هذه الأهوسة على مبدأ الجاذبية والطفو، حيث يؤدي فرق الارتفاع بين بحيرة جاتون والمحيط الهادئ والمحيط الأطلسي إلى فيضان المياه، فترتفع السفن بما يتراوح بين 31 و85 قدمًا فوق سطح البحر، وعندما تُفرَّغ الأهوسة من الماء تنخفض السفن، كما يوضح الفيديو التالي:

حجم تجارة الطاقة المارّة من قناة بنما

يسمح الممر المائي لقناة بنما بمرور 14 ألف سفينة سنويًا، ويمثّل حجم التجارة المارّة عبر القناة قرابة 6% من إجمالي حجم التجارة العالمية المنقولة بحرًا.

وانخفض حجم البضائع المارة من قناة بنما إلى 423 مليون طن عام 2024، مقارنة بنحو 510 ملايين طن عام 2023، بحسب تقديرات هيئة القناة التي عزت هذا الانخفاض إلى موجة الجفاف الحادة التي تعرضت لها منذ أواخر 2023.

والولايات المتحدة أكثر الدول استعمالًا للقناة في نقل البضائع، تليها 3 دول من آسيا بقيادة الصين، حسب بيانات هيئة قناة بنما لعام 2024، الموضحة في القائمة التالية:

  • الولايات المتحدة: 160 مليون طن.
  • الصين: 45 مليون طن.
  • اليابان: 30.7 مليون طن.
  • كوريا الجنوبية: 19.6 مليون طن.
  • تشيلي: 17.4 مليون طن.

كما تستعملها دول أخرى في الأميركيتين مثل المكسيك وكندا وكولومبيا والإكوادور والبرازيل، إضافة إلى إسبانيا وتايوان، بحسب قائمة أكبر 15 دولة مستعملة للقناة 2024.

وفيما يتعلق بتجارة الطاقة، تشير بيانات هيئة القناة إلى مرور 73 مليون طن (ما يزيد على 530 مليون برميل) من النفط الخام والمنتجات النفطية عبر الاتجاهين الرئيسَين للقناة (الشمال والجنوب) في عام 2024.

كما تشير البيانات إلى مرور 12.5 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية، و3.3 مليون طن من الفحم خلال العام الماضي، بحسب الأرقام التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من التقرير السنوي للهيئة.

وتعدّ قناة بنما الممر الرئيس لناقلات الغاز المسال الأميركية المتجه إلى آسيا لكونها أقصر الطرق البحرية، إذ يستغرق العبور من ساحل الخليج الأميركي إلى اليابان عبر القناة قرابة 20 يومًا، بينما يستغرق العبور من طريق رأس الرجاء الصالح قرابة 34 يومًا.

وتشترك قناة السويس مع قناة بنما في عبور السفن المتجهة من شرق آسيا والصين إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، لكن زمن الرحلة من قناة بنما أقل من 5 إلى 6 أيام لهذه السفن.

وكانت "بنما" تنقل ملايين الأطنان من الغاز المسال الأميركي إلى آسيا قبل موجة الجفاف التاريخية عام 2023، واضطرتها إلى تقييد حركة مرور السفن الكبيرة بسبب نقص منسوب المياه بصورة حادّة، ما أدى إلى تأخٌُّر المرور وتكدُّس السفن والناقلات.

وأدى الوضع إلى اضطرار ناقلات الغاز المسال الأميركية للتحول إلى قناة السويس، ثم مع تزايد الاضطرابات في مضيق باب المندب خلال عام 2024، تحولت الناقلات بصورة متزايدة إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وبلغ حجم صادرات الغاز المسال الأميركية خلال عام 2024 قرابة 87.22 مليون طن، ذهبَ 34% منها إلى آسيا، بما يعادل 29.5 مليون طن، بقيادة اليابان، كما توضح بيانات وحدة أبحاث الطاقة في الرسم التالي:

أكبر الدول المستوردة للغاز المسال الأميركي في 2024

أمّا من حيث الرسوم، فتعتمد سلطات قناة بنما في تحديدها على المعيار الدولي لقياس السفن الذي وضعته الاتفاقية الدولية لقياس حمولة السفن عام 1969، وذلك عبر تطبيق صيغة رياضية لحساب الحجم الإجمالي للسفينة لتحديد صافي حمولة القناة.

وعلى سبيل المثال، تدفع ناقلة المواد الكيميائية التي تصل حمولتها إلى 50 ألف طن نحو 135 ألف دولار أميركي رسومًا لإدارة قناة بنما، بينما تدفع ناقلة غاز مسال من الحجم الضخم (83 ألف طن) 260 ألف دولار، بحسب موقع مارين إنسايت.

الأهمية الاقتصادية لقناة بنما بالنسبة لأميركا

ظلّت قناة بنما تحت إدارة وتشغيل الولايات المتحدة منفردة لمدة 85 عامًا منذ استكمال بنائها حتى عام 1977، عندما وقّع الرئيس الأميركي جيمي كارتر اتفاقية انتقالية لإدارة القناة بصورة مشتركة مع دولة بنما، قبل أن تنقل إليها السيادة الكاملة عام 1999.

ومنذ ذلك التاريخ، تدار القناة عبر دولة بنما، لكن الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بالحق في استعمال القوة العسكرية للدفاع عن حياد القناة وحرية الملاحة فيها.

وتربط قناة بنما الساحل الشرقي للولايات المتحدة بآسيا والساحل الشرقي لأميركا اللاتينية، ما يجعلها ممرًا اقتصاديًا وإستراتيجيًا حيويًا لأكبر اقتصاد وقوة عسكرية في العالم.

وزادت قيمة التجارة الأميركية العابرة للقناة مرتين خلال العقود الـ3 الماضية من 150 مليار دولار عام 1995، إلى 450 مليار دولار في الوقت الحالي.

وتمثّل السفن والناقلات التجارة المتجهة إلى الولايات المتحدة أو القادمة منها 72% من إجمالي حركة المرور عبر قناة بنما حاليًا، بحسب تقديرات وزارة التجارة الأميركية.

وعادةً ما يؤدي أيّ ظرف طارئ تتعرض له القناة إلى ارتفاع تكاليف تجارة الطاقة الأميركية نتيجة اضطرارها إلى اتخاذ طرق بحرية بديلة أطول وقتًا وأعلى تكلفة، كما بيّن مستشار تحرير منصة الطاقة خبير اقتصادات الطاقة، الدكتور أنس الحجي، مستندًا إلى خريطة -أدناه- توضح دوران إحدى ناقلات الغاز المسال الأميركية -بالسهم الأحمر- حول أميركا الجنوبية بدلًا من بنما لارتفاع التكلفة.

المخاوف الإستراتيجية من الوجود الصيني

تبلغ قيمة التجارة الصينية المارّة عبر قناة بنما 1.3 مليار دولار، لكنها لم تكن تتجاوز 100 مليون دولار في عام 1995، ما يشير إلى تضاعُفها 12 مرة خلال 3 عقود فقط.

كما تَوسَّع حضور الصين في مشروعات المواني والتوسعات المتصلة بالقناة ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق المعلَنة منذ عام 2013، التي تهدف إلى إنشاء شبكات عالمية بديلة للطرق والمواني الحالية في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

ورغم حرص الصين على الظهور بصورة اقتصادية في بنما، فإن مشروعاتها تثير القلق الأميركي من احتمالات الاستعمال المزدوج، خاصة في أغراض التجسس أو الأغراض العسكرية المستقبلية.

وتمثّل قناة بنما نقطة اختناق إستراتيجية للتجارة والجيش الأميركي، إذ يمكن للسيطرة عليها أن تؤثّر في إعاقة حركة المرور التجاري والعسكري، خاصة أن البحرية الأميركية استعملت القناة تاريخيًا لنقل السفن والغواصات بسرعة بين المحيطين الأطلسي والهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

وخلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، كانت البحرية الأميركية تعدّ قناة بنما ضمن الأصول الإستراتيجية اللازمة للنشر السريع للقوات والوقود، بحسب مقال في موقع إندونيسان بزنس بوست.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع قرارات هامة في أولى أيامه بالبيت الأبيض
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقّع قرارات مهمة في أول أيامه بالبيت الأبيض 20 يناير 2024 - الصورة من Los Angeles Times

لهذه الأسباب، يعتقد دونالد ترمب أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لم يكن حكيمًا في قراره بالتنازل عن القناة إلى بنما، كما هدّد أكثر من مرّة بضمِّها عسكريًا، إضافة إلى خليج المكسيك وجزيرة غرينلاند الدنماركية.

وحذّر ترمب من أن بلاده لن تسمح للقناة بالوقوع فيما وصفه بـ"الأيدي الخطأ"، مشيرًا إلى أنّ تنازُل كارتر عن القناة مقابل دولار واحد خلال رئاسته إلى بنما، لم يكن الهدف منه أن تديرها الصين أو أيّ جهة أخرى.

كما طالبَ ترمب بخفض الرسوم الجمركية المرتفعة على السفن والناقلات الأميركية المارّة عبر القناة، وإلّا سيضمّها إلى بلاده دون نقاش، بحسب ما أكده عدّة مرّات، آخرها في خطاب التنصيب 20 يناير/كانون الثاني 2025.

مشروع قناة نيكارغوا منافس محتمل

على الرغم من أن قناة بنما هي القناة الوحيدة بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، فإن هناك اقتراحًا منافسًا بإنشاء قناة أخرى في نيكاراغوا بطول 278 كيلومترًا تعمل بصورة حرة دون استعمال الأهوسة مثل قناة السويس، وهو مشروع قديم مُعلَن منذ عام 2006.

ووقّعت حكومة نيكاراغوا في عام 2012 اتفاقًا مع شركة إتش كا إن دي غروب الصينية (HKND Group) لتمويل المشروع بأكمله مع حق تشغيله بعد إكماله، و لمدة 100 عام، وكانت التكلفة المقدّرة للمشروع وقتها تصل إلى 50 مليار دولار.

وتعرضت الشركة الصينية للإفلاس بعد اضطرابات سوق الأسهم في الصين خلال عامَي 2015 و2016، كما تعرَّض المشروع لاحتجاجات النشطاء المحليين وأنصار البيئة.

وأسهمت العوامل في دفع الحكومة إلى سحب امتياز البناء من الشركة الصينية في 8 مايو/أيار 2024، أي بعد 12 عامًا من الاتفاق معها، لكنها أعلنت التزامها بالاستمرار في تنفيذ المشروع وإسناده إلى وزارة العدل في البلاد، بحسب ما نشرته صحيفة الجارديان.

وإذا نجحت حكومة نيكاراغوا في تنفيذ هذه القناة، فمن المتوقع أن تواجه قناة بنما منافسة شرسة في حركة الشحن بين الأميركيتين من ناحية، والمنافسة مع قناة السويس من ناحية أخرى.

موضوعات متعلقة..

المصادر:

  1. تاريخ بناء قناة بنما من الموقع الإلكتروني للهيئة.
  2. تفاصيل نظام الأهوسة والأعمال الهندسية للقناة من موقع مارين إنسايت.
  3. بيانات حجم تجارة الطاقة المارّة من قناة بنما من التقرير السنوي لعام 2024
  4. تقديرات التجارة الأميركية عبر القناة من وزارة التجارة الأميركية.
  5. إلغاء امتياز شركة صينية لبناء مشروع قناة نيكارغوا من الجارديان.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق