محمود عماد
نشر في: الخميس 30 يناير 2025 - 7:22 م | آخر تحديث: الخميس 30 يناير 2025 - 7:22 م
يشغل يوسف شاهين مكانة كبيرة في تاريخ السينما المصرية والعربية، بل والعالمية أيضا سواء بشخصيته الفنية المركبة التي تجمع بين الكثير من الأمور، أو أفلامه المغايرة لما هو متعارف عليها، أو لجوائزه المختلفة التي حصل عليها من جميع أنحاء العالم، أو لأسباب كثيرة أخرى جعلته رمزا من رموز الفن المصري، بل ورمزا يعبر عن المصري الحقيقي ومصر أو كما أسماها "بهية" بأفلامه المغايرة التي حجزت لها مكانا كببرا في ذاكرة السينما.
ويعتبر يوسف شاهين من النماذج التي تستحق الدراسة بعين فاحصة لأن سيرته الفنية مرتبطة بسيرة مصر في عصرها المعاصر، تأريخا لسيرة مجتمع وأهل المجتمع بأحوالهم السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية كما رأها يوسف شاهين نفسه بعينه، فضلا عن أن تلك المسيرة بها الكثير من العبر الإنسانية والوجودية التي سعى شاهين دائما للاشتباك معها.
ويتضح ذلك من خلال صفحات كتاب "يوسف شاهين.. قصة وطن" للكاتب والروائي يوسف الشريف، الصادر حديثا عن دار ريشة للنشر والتوزيع.
ويقدم الكاتب دراسة تأريخ وتفحيص لسيرة يوسف شاهين سيرته الفنية التي لا تنفصل عن سيرته الشخصية، فهنا يؤكد الكاتب أن السيرتين هما سيرة واحدة سيرة للوطن والمجتمع، يقدم الكاتب كتابه بسيرة غير نمطية فهو يحلل أفلام يوسف شاهين بعين الفاحص فتارة نشعر أنه ناقد وتارة نشعر أنه المحب العاشق لسينما شاهين.
الكتاب مقسم لست فصول، تبدأ أول فصول الكتاب ببداية يوسف شاهين الفنية الاستهلال أو الانطلاقة كما وصفها الكاتب، ونرى هنا المشوار الذي سيبدأ ليستمر طوال فيلم "بابا أمين" الذي بدأ شاهين حياته به، إذ يحلل الكاتب الفيلم ومشاهده، ويركز على تلك الثيمة المغايرة التي رسخها شاهين منذ بدايته على سؤال الموت يركز على تلك الخصائص التي ستلازم سينما شاهين حتى نهاية الرحلة، ويؤكد على أن مشروع شاهين هو مشروع واحد متكامل ممتد.
ويأخذ الكاتب القراء بعدها لنقلة نوعية في مسيرة شاهين، وهي فيلم "ابن النيل" والذي يؤكد فيه الكاتب على تأسيس شاهين لمنهجيته أكثر وأكثر، ويسلط الضوء على أنه لا يرضى إلا بأن يمر كل شيء من خلاله، وأن يفعل كل شيء بأفضل طريقة ممكنة، ويظهر ذلك من فكرة مشهد الطوفان، ويركز الكاتب أيضا على فكرة الهوية التي ستصاحب أفلام شاهين على طول الخط بين هامشية البشر ومركزية العاصمة كما أن "ابن النيل" هو أول أفلام شاهين التي تعرض في مهرجانات عالمية، ويؤكد الكاتب على أن أفلام شاهين في تلك الفترة كانت تنذر بقيام ثورة ما خاصة أن تلك الفترة التي سبقت ثورة يوليو مباشرة.
ويركز بعدها الكاتب على فيلمي "صراع في الوادي"، و"صراع في الميناء" اللذان قامت ببطولتهما فاتن حمامة التي تعاون معها شاهين مجددا بعد أول أفلامه وعمر الشريف الذي اختار هو اسمه الفني، إذ نرى تركيز الكاتب الضمني على أن الفيلمين من الممكن أن يكونا متشابهين ربما هما كذلك لأنهما يحملان أسئلة شاهين حول الإنسان والحب كما قال الكاتب، ووصل فيهما شاهين لتلك الواقعية التي جعلته يخرج قطع حقيقية وليست تمثيلية.
ويفند الكاتب بعدها فيلم "باب الحديد" الذي هو من أهم أعمال شاهين خاصة والسينما المصرية والعربية والعالمية عموما، وهذا حسب قول الكاتب نفسه "يركز الكاتب على أسئلة شاهين في الفيلم، وعلى تمثيله لدور قناوي، وعلى صدى الفيلم وقت عرضه ثم نجاحه لاحقا الفيلم يستحق بالفعل الكثير من الحديث، وكان هذا أحد الأسباب التي جعلت الكاتب يركز عليه، وربما تكون هي تلك الإنسانية التي تضفى على كل أركان الفيلم، وهذا نفس التركيز الذي حظى به في الكتاب فيلم جميلة الذي هو رائعة من روائع شاهين وروائع الإنسانية الذي يجسد المعاناة والوطنية والقومية والإنسانية، وبرع شاهين في الفيلم براعة شديدة كما ذكر الكاتب، ومن ذكر كواليس الفيلم، وأشياء كثيرة أخرى جعلت الفيلم أيقوني".
ويتضمن الفصل الثاني من الكتاب إلى الانتقال لما بعد فترة الناصرية، وهي فترة أفلام النكسة التي ضمت رباعية "الأرض"، "الاختيار"، "العصفور"، و"عودة الابن الضال"، هنا نرى مع الكاتب تحليل شاهين لأسباب النكسة، ونقده لنظام الناصري رغم حبه لعبد الناصر، وهنا يستفيد الكاتب في تحليل اللغة السينمائية لشاهين في كل فيلم من الأربعة صانع دراسة نقدية حولهم حول الجهل والتخلف عدو المصريون، حول الفساد العدو الداخلي، حول ازدواجية المثقف وازدواجية النظام الناصري نفسه، وحول تفكك الأسرة المصرية والعربية مع التمسك بأمل الوصول، والخوف من المستقبل المجهول.
ويأخذنا الكاتب بعد ذلك إلى فترة الرباعية أو أفلام السيرة "إسكندرية ليه"، "حدوتة مصرية"، "إسكندرية كمان وكمان"، و"إسكندرية نيويورك" الأفلام التي حاسب فيها شاهين نفسه كاشف واقعه، وتسأل عن أسئلته يسلط الكاتب الضوء هنا على اختيار شاهين لبعض الممثلين مثل يسرا، والتركيز على صدق شاهين في محاسبته لنفسه وحياته وأسرته وفنه لكل شئ.
ينقلنا الكاتب بعدها في فصل الأفلام التاريخية، وهي "الناصر صلاح الدين"، "الوداع يا بونابرت"، "اليوم السادس"، "المهاجر"، "والمصير"، والتي حلل الكاتب فيها أسباب رجوع شاهين إلى التاريخ ليسقط واقعه من الأسئلة عليه يذكر الكاتب أيضا الإمكانيات التي توفرت لشاهين في فيلم الناصر، وتعاونه مع دليلدا في اليوم السادس، وأزمة شاهين في المحاكم بسبب فيلم المهاجر، والهدف الذي قصده شاهين من فيلم المصير.
وننتقل بعدها إلى فصل "أفلام في المشوار" التي ضمت بعض الأفلام مثل "الآخر"، "أسكت هنصور"، وآخر أفلام شاهين "هي فوضى؟"، وهم من أواخر الأفلام في مسيرة شاهين، والذي ناقش فيهم استمرار الفساد والتخلف والرجوع إلى الوراء، واحتياج الثورة.
بعدها يكون الفصل الخاص بالأفلام القصيرة هو نهاية الكتاب، والتركيز ينصب على فيلم "مصر منورة بأهلها"، والذي جعل الانتقادات تطال شاهين من الجميع بسبب تصويره للحقيقة، كما أن الكاتب يذكر الفيلم القصير الذي كان وجهة نظر شاهين حول أحداث 11 سبتمبر بأمريكا، والذي أصر فيه شاهين على عرض وجهة نظره فيه رغم أنف الأمريكان.
0 تعليق