كتب: فوزي مرسي
نظمت سفارة اليونان بالقاهرة، مساء الأحد، احتفالية خاصة بمناسبة “يوم اللغة اليونانية”، وذلك بمقر إقامة سفير اليونان نيكولاوس باباجورجيو، بحضور سفراء قبرص وليتوانيا وإستونيا ونائبة سفيرة أمريكا وممثلى بعض السفارات.
وقال أستاذ الأدب الكلاسيكى والبرديات فى جامعة أثينا امفيلوخيوس بابانوماس خلال كلمته فى الحفل، إن يوم التاسع من فبراير تم إقراره رسميًا خلال السنوات الأخيرة، وهو ذكرى وفاة ديونيسيوس سولوموس، الشاعر الذى كتب النشيد الوطنى لليونان، ليكون اليوم العالمى للغة اليونانية، حيث يمثل هذا الاحتفال شهادة على الأهمية الثقافية العميقة للغة اليونانية ودورها الحاسم فى تشكيل الحضارة الغربية الحديثة.
وأكد، أن اليونانية تعد إحدى لغات عائلة اللغات الهندو-أوروبية، وتم التحدث بها بشكل مستمر فى منطقة شرق المتوسط لأكثر من خمسة وثلاثين قرنا.
وأظهرت اللغة اليونانية مرونة وتكيفا عبر العصور، بدءاً من النقوش المكتوبة بنظام الكتابة الخطية (ب) (Linear)، مروراً بالملاحم الهومرية، وحتى العصر الحديث للاتصالات الرقمية.
وهى واحدة من خمس لغات فقط من بين 6500 لغة يتم التحدث بها رسميًا اليوم، حافظت على تقليد كتابى متواصل غير منقطع منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.
وتابع بابا نوماس: اللغة اليونانية كانت وسيلة التعبير لكبار الكتاب والفلاسفة والعلماء، مثل “هوميروس”، “هيرودوت”، “سوفوكليس”، “أبقراط”، “أفلاطون”، “أرسطو”، وامتدت إلى أقصى المناطق الشرقية فى العالم المعروف آنذاك، بعد فتوحات الإسكندر الأكبر.
وعلى الرغم من توسع الإمبراطورية الرومانية، بقيت اللغة اليونانية سليمة لم تتأثر، ثم تم ترسيخها خلال العصر البيزنطى، كلغة رسمية للإمبراطورية، حيث ساهمت فى استمرار التراث الفكرى والثقافى للعالم اليونانى.
وأضاف، تطورت اللغة اليونانية فى العصر الحديث عن اللهجة اليونانية الهلنستية العامة، لتصبح اللغة الرسمية للدولة اليونانية فى القرن التاسع عشر، ولا تزال اللغة الرسمية للجمهورية اليونانية حتى اليوم.
وهى حافظت على استمرارية تاريخية ولغوية غير منقطعة تربط أربعة آلاف عام من التقاليد والفكر اليونانى بالعالم الحديث.
وأوضح بابا نوماس، أن مصر لعبت دورا حاسما فى تعزيز اللغة اليونانية والحفاظ عليها، إلى جانب الثقافة اليونانية، منذ أواخر القرن الرابع قبل الميلاد وحتى أوائل القرن التاسع الميلادى.
بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر عام 332 ق.م، أصبحت البلاد، وخاصة الإسكندرية المركز الأهم للحضارة والعلوم الهلنستية.
وأنشأ الحكام البطالمة مؤسسات مثل مكتبة الإسكندرية، وجذبوا المفكرين والفلاسفة والعلماء اليونانيين.
كما تم ترسيخ اللغة اليونانية كلغة إدارية وأدبية، مما سهل استخدامها على نطاق واسع من قبل النخب، والمسؤولين وجميع السكان فى البلاد لما يقرب من أحد عشر قرنا ونصف القرن.
وأعلن، أن اللغة اليونانية ظلت مهيمنة فى الإدارة والتجارة والحياة الفكرية تحت الحكم الرومانى والبيزنطى.
وساهمت المجتمعات الرهبانية فى مصر أيضًا فى الحفاظ على التراث الأدبى اليونانى من خلال ترجمة النصوص ونسخها.
ويعكس الاستخدام المستمر للغة اليونانية فى مصر خلال القرنين الأولين من العصر الإسلامى مدى اندماجها العميق فى المشهد الثقافى والفكرى للمنطقة.
وأكد، أن المناخ الجاف فى مصر ساعد فى الحفاظ على ما يقرب من مليون ونصف المليون بردية يونانية، مما يوفر معرفة لا تقدر بثمن عن الأدب القديم، والفلسفة، والقانون والحياة اليومية.
تشمل البرديات والأوستراكا شظايا الفخار، والألواح الخشبية، والمخطوطات المبكرة التى تم نشرها بالفعل -حوالى 8 آلاف نص أدبى وأكثر من 70 ألف وثيقة- مثل النصوص القانونية، والرسائل الشخصية، والسجلات الإدارية ذات الأهمية التاريخية الكبيرة، ومن المتوقع نشر مليون ونصف المليون نص يونانى إضافى فى العقود والقرون القادمة.
وخلال القرون الوسطى، كانت اللغة اليونانية هى اللغة الرسمية للإمبراطورية البيزنطية، وهى واحدة من أقوى وأكثر الإمبراطوريات تحضرًا فى تلك الحقبة، وحافظت الإمبراطورية البيزنطية على اللغة اليونانية باعتبارها اللغة الأساسية للإدارة والتعليم والحياة الفكرية.
وبعد سقوط القسطنطينية عام 1453 انتقلت اللغة اليونانية والفكر اليونانى إلى الغرب مع العلماء اليونانيين مما ساهم فى النهضة الفكرية والثقافية فى أوروبا الغربية.
وبهذه الطريقة، أصبحت اللغة اليونانية ومعها الحضارة اليونانية مرة أخرى، جزءا من التراث العالمي للبشرية، حتى فى زمن لم يكن لليونانيين فيه دولة مستقلة.
وقال: كانت اللغة اليونانية اللغة الدولية الأساسية فى شرق البحر المتوسط منذ فتوحات الإسكندر الأكبر فى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى سقوط القسطنطينية عام 1453 وما بعده، حيث كانت بمثابة اللغة الأم، ووسيلة للتواصل والتعبير الأدبى لغالبية سكان المنطقة.
وتطورت اللغة اليونانية الحديثة من اليونانية العامة (Kown (EAAnvikin)، وهى لهجة شائعة من اليونانية القديمة، كانت مفهومة على نطاق واسع فى جميع أنحاء العالم الناطق باليونانية منذ الفترة الهلنستية فصاعدا.
وفى القرن التاسع عشر، تم اعتمادها كلغة رسمية لمملكة اليونان، ولا تزال حتى اليوم اللغة الرسمية للجمهورية اليونانية.
إن اللغة اليونانية الحديثة كيان حى يتمتع بثروة لغوية لا حدود لها، وله جذور قديمة فى عائلة اللغات الهندو-أوروبية، وتطورت لأكثر من أربعة آلاف عام.
وخضعت كوسيلة للتواصل والتعبير الأدبى لتطوير مكثف، حيث تبنت أشكالا متنوعة، ومرت بفروع مختلفة من التطور، مثل اللغة الأدبية الرسمية (logia glossa) من جهة، واللغة العامية اليومية من جهة أخرى dimodis glossa وعبرت عن مختلف الأيديولوجيات والرؤى العالمية، والأنظمة الفلسفية.
وأثرت اللغة اليونانية فى جميع اللغات المعروفة تقريبا، منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، حيث تحتوى تلك اللغات على عدد كبير من الكلمات المستعارة من اليونانية.
على سبيل المثال، تشير إحدى التقديرات إلى وجود أكثر من 150 ألف كلمة إنجليزية مشتقة من اليونانية.
وأشار، إلى عدم تأثير اللغة اليونانية على الأنظمة اللغوية الأخرى فحسب بل تأثرت بها أيضًا، كما هو الحال مع جميع اللغات الطبيعية.
وكان هناك تأثير كبير للغة اليونانية على لغات وثقافات أخرى فى جميع مجالات الحياة، والفكر والعلم، والفن، وتشكل الغرب الحديث إلى حد كبير من خلال اللغة والثقافة اليونانية القديمة، حيث بدأ الأدب والفلسفة والعلوم الأوروبية باللغة اليونانية.
واختتم بابا نوماس كلمته قائلًا: إن اللغة اليونانية الحديثة، تعكس استمرارية لم تنقطع بل تمتد لعدة قرون، وتحمل أربعة آلاف عام من التقاليد التاريخية واللغوية اليونانية.
0 تعليق