بعد إعلان غانا الصريح قطع علاقاتها مع “البوليساريو”، ما مثل انتصارا دبلوماسيا كبيرا دشنت به الآلة الدبلوماسية المغربية تحركاتها مستهل العام 2025، توالت الصفعات على خد الانفصال تارة من الرباط، وتارة من العيون خلال الأسبوع الأخير، في دلالة زمان ومكان لم تخطئها عيون المتتبعين.
وفضلا عن موقف غامبيا التي كانت من أوائل الدول التي بادرت بفتح قنصلية عامة بالداخلة، تجددت مواقف داعمة لمغربية الصحراء والوحدة الترابية للمملكة على لسان وزيري خارجية كل من كوت ديفوار وجمهورية ليبيريا، مع التشديد من قلب ولاية جهة العيون-الساقية الحمراء على الانخراط في المبادرة الملكية الأطلسية والالتزام بمسارها ومشاريعها التنموية الواعدة لفائدة دول الساحل والغرب الإفريقي عموما.
دينامية التطورات في ملف الصحراء المغربية ظهرت أيضا في ثنايا بيان مشترك عقب مباحثات بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ونظيرته المالاوية، نانسي تيمبو، أول أمس الخميس بالرباط.
وذكر البيان أن تيمبو أشادت أيضا بالتوافق الدولي المتنامي والدينامية التي يقودها الملك محمد السادس لدعم المخطط المغربي للحكم الذاتي، واصفة إياه بالحل الوحيد ذي المصداقية والجدي والواقعي، منوهة بـ”الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة كإطار حصري للتوصل إلى حل واقعي وعملي ومستدام للنزاع الإقليمي حول الصحراء”.
دعائم ثلاثية
الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية حسن بلوان قال إن “التحرك الدبلوماسي المغربي النشط في أفريقيا بصفة عامة، وأفريقيا الغربية على وجه التخصيص، ينطلق من ثلاث ركائز أساسية:
العلاقات التاريخية والدينية والروحية العريقة التي تجمع بين المغرب ودول إفريقيا الغربية قاطبة”، و”السياسة الدبلوماسية المبنية على مبدأ رابح-رابح، التي تترحم التعاون المثمر على المستوى الاقتصادي والسياسي”، ثم “الاستجابة الجماعية لدول غرب أفريقيا لجميع المبادرات والمشاريع الملكية الطموحة والانخراط التلقائي فيها”.
ولفت بلوان، ضمن تعليق أدلى به لهسبريس، إلى أن “هذه الدعائم وأخرى تترجمها الزيارات المتبادلة والمواقف المتجددة لدول غرب أفريقيا الداعمة لسيادة المغرب ووحدته الترابية سواء من العاصمة الرباط أو من داخل مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء المغربية”.
هذه العلاقات المتميزة بين المغرب وجميع دول غرب أفريقيا، وفق المحلل السياسي ذاته، “جعلت المغرب يتحرك من موقع القوة الهادئة عبر مسارين متوازيين”؛ أولهما “اقتحام ما تبقى من قلاع خصوم الوحدة الترابية في أفريقيا والاشتغال على تحييد باقي الدول التي تتبنى مواقف رمادية”، وثانيهما “الحفاظ على النجاحات والمكتسبات السابقة وتجديد المواقف الداعمة، حيث تشكل دول غرب أفريقيا القاعدة الأساسية لهذا المسار”.
وخلص بلوان إلى أن “ما تعرفه قضية الصحراء من ديناميات متجددة يدخل المراحل الحاسمة لهذا النزاع المفتعل، إذ الحسم سيكون أفريقيا، مما يسهل عملية التسوية الأممية دوليا من داخل مجلس الأمن”.
أبعاد اقتصادية
في تقدير عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية، فإن “تنشيط الحراك الدبلوماسي والقنصلي بجهتي الداخلة والعيون، جزء من مسار دبلوماسية إحداث القنصليات العامة بجهة الصحراء نحو تحقيق أهداف المبادرات الملكية لخلق اقتصاد أفريقي متكامل ومندمج يدعم الاستقرار والأمن والازدهار في الفضاء الأفريقي”.
وشدد الفاتحي، مصرحا لهسبريس، على أن “تركيز الأنشطة الدبلوماسية المشتركة بين المغرب وعدد من الدول الأفريقية الشقيقة بجهات الصحراء إنما ينسجم وغايات جعلها عاصمة اقتصادية للمبادلات التجارية الأفريقية”.
وأكد أن “تكريس الأنشطة الدبلوماسية بجهة الصحراء-وإن كان يعزز الشرعية القانونية والإدارية للمملكة المغربية-فيه مصلحة لتنفيذ مشاريع المبادرة الأطلسية وفتح آفاق خلق اقتصاديات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية بأفق خلق واقع اقتصادي وتجاري أفريقي-أفريقي”.
وأضاف شارحا فكرته أن “خلق واقع جديد من المعاملات الاقتصادية والتجارية الأفريقية-الأفريقية يفرض استحضار البعد البرغماتي في بناء العلاقات الثنائية بعيدا عن التجاذبات السياسية وبناء مناخ تنموي واجتماعي جديد وفق مبدأ رابح-رابح”، قبل أن يخلص إلى أن ذلك “عامل تيسير للإسراع بإيجاد تسوية سياسية لنزاع معطل لمسار تنموي يراهن عليه الإجماع الأفريقي في أفق إنضاج مجالات للتعاون الاقتصادي لصالح قضايا التنمية والازدهار والاستقرار في القارة”.
0 تعليق