يواجه قطاع غزة اليوم تحديات إنسانية وتنموية غير مسبوقة بعد الحرب الأخيرة التي ألحقت دمارًا هائلًا بالبنية التحتية والمنازل والمنشآت التعليمية.
وكشفت الإحصائيات الأخيرة عن خسائر بشرية ومادية فادحة، مما يضع سكان القطاع، خصوصًا الأطفال، في مواجهة واقع صعب يؤثر على حياتهم ومستقبلهم التعليمي، وتتطلب إعادة تأهيل القطاع نفسيًا ومدنيًا، جهودًا ضخمة وموارد مالية وزمنية كبيرة.
كيف يمكن للقطاع أن يتعافى؟
حسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن تأثير الحرب لم يقتصر على الدمار المادي فقط، بل امتد ليشمل الصدمات النفسية لسكانه، وخاصة الأطفال الذين فقدوا حقهم في بيئة تعليمية آمنة ومستقرة بسبب تدمير المدارس والجامعات.
وفي ظل هذه التحديات، يبرز السؤال: كيف يمكن للقطاع أن يتعافى، وما الذي يحتاجه من وقت ومال لإعادة بناء بنيته التحتية وتعويض سكانه عن خسائرهم؟ وكيف يمكن للأطفال أن يستعيدوا حقهم في التعليم وسط كل هذا الدمار؟.
تحديات كبرى تواجه إعادة الإعمار
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والقيادي الفلسطيني بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، إن إعادة إعمار غزة تواجه تحديات كبرى، أبرزها رفع الأنقاض التي تتضمن بقايا صواريخ وقنابل غير منفجرة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على السكان، مشيرًا إلى ضرورة إعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك شبكات الطرق، المياه، والكهرباء، بتكلفة أولية تقدر بـ80 إلى 90 مليار دولار، داعيًا إلى عقد مؤتمر دولي لتأمين التمويل اللازم.
ويضيف الرقب، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أنه من الضروري توفير مساكن بديلة مثل الكرفانات وتجهيزها بالبنية التحتية الأساسية، إلى جانب تشغيل المدارس والمشافي لتلبية الاحتياجات العاجلة.
آثار نفسية عميقة
يؤكد الرقب أن التحديات لا تقتصر على الجانب المادي، بل تشمل الآثار النفسية العميقة التي خلفتها الحرب، حيث يعاني عشرات الآلاف من الأطفال والأسر من صدمات نفسية واضطرابات اجتماعية.
ويقترح الرقب حلولًا شاملة تتضمن دعمًا دوليًا، ومشاريع طويلة الأمد لإعادة الإعمار، وبرامج نفسية للأطفال والأسر المتضررة، مع ضرورة وجود إطار سياسي واضح يضمن استقرار القطاع ويمنع تكرار المأساة، مشيرًا إلى أن غياب الإرادة السياسية الدولية سيعيق أي جهود مستدامة.
مرحلة جديدة لإعادة إعمار غزة والتعافي
من جانب آخر، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد جودة، إن إعادة بناء البنية التحتية السكنية، وتقديم الدعم النفسي للأطفال والنساء المتضررين، يمثلان أولويات قصوى، إضافة إلى إصلاح شبكات المياه والكهرباء وتشغيل المدارس لضمان استمرار التعليم.
ويضيف جودة، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أن الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 15 عامًا يعيق دخول مواد البناء الأساسية ويبطئ عملية إعادة الإعمار، كما أن الأزمات الاقتصادية العالمية وقلة التبرعات تزيد الوضع تعقيدًا، مشددًا على أهمية تنسيق الجهود بين الأمم المتحدة، السلطة الفلسطينية، والدول الداعمة مثل مصر وقطر لضمان تقديم المساعدات بشكل فعال ومنظم.
اضطرابات نفسية بعد الحرب
يشير جودة إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة تُقدَّر بنحو 51 مليار دولار، وقد تستغرق العملية من 15 إلى 30 عامًا، وشدد على أن أكثر من 80% من أطفال غزة يعانون من اضطرابات نفسية بعد الحرب، داعيًا إلى تعزيز برامج الدعم النفسي من خلال المنظمات الدولية والجمعيات المحلية لتخفيف آثار الصدمات على السكان.
ودعا إلى تشكيل لجنة دولية بإشراف الأمم المتحدة لضمان شفافية توزيع الأموال والمساعدات، مع الضغط على إسرائيل لرفع القيود المفروضة على دخول مواد البناء إلى القطاع.
حجم الخسائر البشرية
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار القطاع ستتطلب مليارات الدولارات وعقودًا طويلة من العمل، وأسفرت عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية عن مقتل 1200 شخص في مستوطنات غلاف غزة.
وفي المقابل، أدت الحرب الانتقامية الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 46 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 111 ألف بجروح، ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، كما أن هناك أكثر من 11 ألف مفقود، و2842 شهيدًا تبخرت أجسادهم تحت القصف المكثف.
إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، سيستغرق إزالة الركام الناتج عن القصف الإسرائيلي أكثر من 21 عامًا، بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار، ويُعتقد أن الركام يحتوي على ملوثات خطيرة مثل الأسبستوس وأشلاء بشرية، مما يعقّد جهود التنظيف ويزيد من تكاليفها.
وتشير التقديرات الأممية إلى أن إعادة بناء ما دمرته الحرب قد تصل تكلفته 40 مليار دولار، بينما قد تستغرق عملية إعادة بناء جميع الوحدات السكنية المدمرة نحو 80 عامًا. ووفقًا لتقارير سابقة، قد يستمر العمل حتى عام 2040 أو أبعد من ذلك.
عدد المنازل المدمرة
حسب وكالة أنباء “رويترز”، كان قطاع غزة قبل الحرب يضم أكثر من 170 ألف مبنى، منها ثلثا المباني تعرضت للدمار الكامل أو الجزئي، وتشير البيانات إلى أن 245 ألف وحدة سكنية بحاجة إلى إعادة بناء، كما أن أكثر من 1.8 مليون شخص في غزة يعانون حاليًا من نقص المأوى.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية حوالي 18.5 مليار دولار، وتضمنت الأضرار شبكات الطرق (68% منها تضررت بشدة)، وإمدادات المياه (أقل من ربع الإمدادات السابقة)، والمباني السكنية والتجارية، إضافة إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
الأمن الغذائي
تظهر صور الأقمار الصناعية أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تضررت بشدة جراء الحرب، مما يهدد الأمن الغذائي لسكان القطاع، وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة إلى نفوق أكثر من 95% من الماشية ونصف الأغنام، ما أدى إلى تدهور حاد في القطاع الزراعي.
وتُظهر البيانات الفلسطينية تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية، و136 مدرسة وجامعة، و823 مسجدًا، و3 كنائس، إضافة إلى ذلك، تعرضت أكثر من 50% من المستشفيات لأضرار جسيمة، مع بقاء 17 وحدة طبية فقط تعمل بشكل جزئي.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق