سياسات ترمب المناخية.. عودة للخلف تهدد جهود خفض الانبعاثات (مقال)

0 تعليق ارسل طباعة

يبدو أن سياسات ترمب المناخية في مدة رئاسته الجديدة لن تكون مغايرة عن كثيرًا عن الولاية الأولى، إذ استهلّ الرئيس الأميركي ولايته الرئاسية بتوقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تحمل تأثيرات واسعة في السياسات البيئية والمناخية.

وتوضح القرارات، التي جاءت بعد ساعات من تسلُّمه الرئاسة، إستراتيجيته لتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري وتقليص القيود التنظيمية، متجاهلًا بذلك التحذيرات العلمية من تفاقم أزمة المناخ.

ويضع إعلان الطوارئ الوطنية للطاقة والانسحاب من اتفاق باريس مجددًا الولايات المتحدة في مواجهة جديدة مع القضايا البيئية العالمية أولويات سياسات ترمب المناخية، ويثير تساؤلات حول مستقبل الجهود الدولية في ظل قيادة أميركية تعيد ترتيب أولوياتها بعيدًا عن الاستدامة.

ولاية جديدة.. خطة قديمة

كان تأثير إدارة ترمب بالسياسة البيئية والمناخية في الولايات المتحدة سريعًا وملموسًا في مدة ولايته السابقة (2017-2021)، إذ بدأ ترمب في إلغاء، أو تقليص، عدد كبير من اللوائح التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات، وحماية الحياة البرية، وحظر المبيدات السامّة، والحدّ من تلوث المياه والهواء.

ومع رفضه للإجماع العلمي الذي يقرّ بأسباب تغير المناخ، سمح بالتنقيب عن النفط والغاز في أراضٍ جديدة، وأصدر تصاريح لمشروعات أنابيب النفط المثيرة للجدل، كما تعهّد بـ"إنهاء الحرب على الفحم"، وسعى لتفكيك خطة الطاقة النظيفة التي أطلقها أوباما، والتي كانت تهدف إلى تنظيم انبعاثات الكربون من محطات الكهرباء، بالإضافة إلى انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ما أدى إلى تراجع القيادة الأميركية في قضية تغير المناخ العالمي.

لم تكن هذه التحركات مجرد سياسات، بل شملت أيضًا محاولات لتقويض الوكالات والمؤسسات التي تدعم حماية البيئة والمناخ في الولايات المتحدة، وعلى الساحة العالمية، مما ترك تأثيرًا عميقًا بهذه القيم الأساسية.

دونالد ترمب
دونالد ترمب - أرشيفية

تَكرَّر السيناريو ذاته مع الساعات الأولى لتولّيه الرئاسة (2025-2029)، إذ أصدر مجموعة من الأوامر التنفيذية المتوقعة والمعلَنة سابقًا في برنامجه الانتخابي.

وشملت الأوامر الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ للمرة الثانية، وفتح مناطق واسعة للتنقيب عن النفط والتعدين، وإلغاء برامج ومكاتب حكومية كانت تعمل على حماية المجتمعات الفقيرة من آثار التلوث.

كما أعلن ترمب إلغاء اللوائح التي تدعم السيارات الكهربائية، وأوقف الموافقة على مشروعات مزارع الرياح في المياه الفيدرالية.

كما انتقد ترمب سياسات إدارة بايدن المتعلقة بتغير المناخ، إذ يرى أن الاعتراف بتغير المناخ في الوكالات الفيدرالية قد أدى إلى زيادة التضخم، وألقى بأعباء ثقيلة على الشركات، وأمرَ بإعادة النظر في مشروعات تصدير الغاز المسال التي كانت قد أوقفتها إدارة بايدن.

ورغم أن الولايات المتحدة تعدّ أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، فقد أعلن ترمب حالة الطوارئ الوطنية للطاقة لتسريع تطوير بنية تحتية للوقود الأحفوري، بهدف تسريع بناء خطوط الأنابيب والمصافي والمناجم.

وفي خطاب له أمام مؤيديه، شدد على التزامه باستعمال النفط والغاز وسيلة لتعزيز الاقتصاد الأميركي وتعزيز الهيمنة العالمية، واعدًا بزيادة إنتاجهما، وخفض الأسعار، وإعادة ملء الاحتياطي الإستراتيجي للطاقة.

آثار تغير المناخ

خلال ولايته الأولى، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم (2018)، ومازالت إلى يومنا هذا في إنتاج النفط والغاز والغاز المسال.

وتؤدي سياسات تعزيز الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، (الاعتماد على النفط والغاز)، إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يسهم في تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ما يفاقم من آثار تغير المناخ داخل البلاد، بما في ذلك تكرار الحرائق المدمّرة والجفاف والظروف الجوية القاسية.

علاوة على ذلك، فإن الانسحاب من اتفاقيات بيئية دولية، مثل اتفاق باريس، سيلقي بظلاله على الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، نظرًا لأن الولايات المتحدة تعدّ واحدة من أكبر المساهمين في الانبعاثات.

وعلى المستوى المحلي، ستتدهور جودة الهواء والماء، ويزداد التلوث في المناطق التي تعتمد على محطات الطاقة من الفحم والنفط، كما أن إلغاء برامج حماية البيئة قد يضاعف التأثيرات السلبية في المجتمعات الفقيرة التي تعاني من التلوث الصناعي.

وفي الوقت نفسه، فتح الأراضي العامة والمياه الفيدرالية لعمليات التنقيب عن النفط والتعدين في المناطق الحساسة، مثل ألاسكا، يهدد التنوع البيولوجي ويضرّ بالمواطن البيئية.

تأثير سياسات ترمب المناخية دوليًا

على الصعيد العالمي، ستؤدي سياسات ترمب التي تدعم الوقود الأحفوري إلى تسريع الاحتباس الحراري، مما يعرّض كوكب الأرض لمخاطر بيئية جسيمة، مثل ارتفاع مستويات البحار وذوبان الجليد.

ومن الناحية الاقتصادية، سيؤدي التلوث المتزايد إلى ارتفاع التكاليف الصحية، في حين إن تعطيل مشروعات الطاقة المتجددة سيؤخر الانتقال إلى مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة، بالرغم من أن الاستثمارات في تقنيات الطاقة النظيفة وصلت إلى مستويات قياسية في ظل إدارة بايدن، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات 64 مليار دولار في 2023، بزيادة عن 49 مليار دولار في 2022.

ترمب يسير أمام منشآة نفطية
ترمب يسير أمام منشأة نفطية - الصورة من psmag

بناءً على ذلك، تبدو سياسات ترمب المناخية ردّ فعل على توجهات بايدن المناخية، التي ركّزت على دعم التحول إلى الطاقة النظيفة والحدّ من الانبعاثات الكربونية.

ومع ذلك، فإن خطوات ترمب، التي تعيد التركيز على تعزيز الوقود الأحفوري، قد تؤدي إلى تسريع وتيرة تغير المناخ، مما يعرّض البيئة، والمجتمعات -وخاصة الدول النامية-، إضافة إلى الاقتصاد العالمي، لمخاطر كبيرة ومتزايدة.

صراع الطاقة والمناخ تحت غطاء الطوارئ

يضمن النظام السياسي الأميركي توزيع الصلاحيات بين الجهات المختلفة، ويمنع الرئيس من اتخاذ قرارات أحادية تتجاوز حدود سلطته التنفيذية، لذا فان تنفيذ سياسات مثل تغيير أسماء المواقع الجغرافية أو تعديل سياسات الطاقة يتطلب التنسيق مع الكونغرس والوكالات الفيدرالية، حيث لا يمكن للأوامر التنفيذية وحدها إحداث تغييرات جوهرية.

وعلى سبيل المثال، تغيير أسماء رسمية مثل "خليج المكسيك" أو جبل "دنالي" يستوجب إجراءات قانونية تشمل موافقة الكونغرس أو قرارات الجهات المختصة، وغالبًا ما تواجه مثل هذه الخطوات طعونًا قانونية تؤدي إلى تأخير التنفيذ.

أمّا فيما يتعلق بسياسات الطاقة، فإن تعديل القوانين أو تخصيص الميزانيات يتطلب المرور عبر الكونغرس، ما يضع الرئيس أمام تحديات سياسية، حتى إذا كان حزبه يسيطر على الكونغرس، ذلك لأنّ توافُق المصالح داخل الحزب ليس دائمًا مضمونًا، بسبب اختلاف أولويات الأعضاء وسعيهم لمراعاة احتياجات ناخبيهم.

ولتجاوز كل ذلك، استعمل ترامب ورقة "إعلانه حالة الطوارئ في مجال الطاقة"، رغم غياب تهديدات حقيقية مثل نقص حادّ في الطاقة أو كوارث طبيعية أو تهديد للبنية التحتية الحيوية، مما يمنحه صلاحيات استثنائية لتنفيذ سياسات دون الحاجة إلى موافقة من الكونغرس.

ويستطيع في حالة الطوارئ إعادة توجيه الأموال أو تخصيص الموارد أو إصدار أوامر تتجاوز العمليات التشريعية المعتادة.
ومع ذلك، تبقى هذه الخطوات عرضة للتدخل من الكونغرس أو المحاكم لتقييدها أو إلغائها، خاصة إذا ثارت شكوك حول دوافع إعلان الطوارئ ومدى قانونيته، مما يؤدي إلى تحقيقات أو قرارات تُعطّل تنفيذ السياسات المرتبطة به.

ومع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، بات من الواضح أن سياساته البيئية والمناخية ستأخذ مسارًا مختلفًا عن الجهود العالمية لمواجهة أزمة المناخ، إذ تسلّط قراراته التنفيذية في الأيام الأولى منذ تولّيه الحكم الضوء على التحديات التي تواجه البيئة والمجتمعات الأكثر هشاشة، في ظل تركيزه على تعزيز الاقتصاد التقليدي عبر الوقود الأحفوري.

ومع تصاعد الجدل حول هذه السياسات، يبقى السؤال: هل سيقف النظام السياسي الأميركي، بمؤسساته الدستورية والقانونية، عائقًا أمام هذه التحركات؟ أم ستترك هذه القرارات بصمتها العميقة على مستقبل البيئة عالميًا؟.

* د.منال سخري - أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق