يبدو أن سوق الغاز في أوروبا ستواجه عامًا صعبًا يستعيد تقلبات عام 2022 العنيفة؛ إذ يزداد الطلب حاليًا بفعل انخفاض درجات الحرارة، وبالتوازي مع ذلك أُصيبت الأسعار والمخزونات بهزة قوية.
ولم تقتصر تداعيات أزمة الغاز على القارة العجوز، وإنما امتدت إلى خارج حدودها بالتسبب في إرباك حركة الشحن العالمية، عبر تغيير التجار مسار بعض شحنات الغاز المسال وتحويلها عن وجهتها الرئيسة.
وتظهر الأسعار والمخزونات في اتجاهين متقابلين، ففي الوقت الذي تواصل فيه الأسعار الارتفاع إلى حد يجذب المورّدين العالميين ويدفعهم إلى تغيير مسار الشحنات باتجاه السوق الأوروبية، تسجل مستويات التخزين تراجعًا.
ويختلف المشهد في أول شهور 2025 عن العام الماضي، الذي شهد انخفاضًا في واردات الغاز المسال بنسبة 19%، وفق بيانات التقرير السنوي لوحدة أبحاث منصة الطاقة (مقرّها واشنطن) بعنوان "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024".
وفي هذا التقرير، نناقش 3 عوامل ذات صلة -حاليًا- بسوق الغاز في أوروبا: تغيير مسار الناقلات وإعادة توجيهها إلى القارة، والتخزين وحجم الطلب، والأسعار.
تحويل مسار شحنات الغاز المسال
لجأ عدد من التجار إلى تحويل مسار شحنات الغاز المسال في عرض البحر، وإعادة توجيهها إلى دول أوروبية، بحثًا عن مكاسب أكبر لارتفاع الأسعار.
وخلال شهر يناير/كانون الثاني الجاري، عدّلت 7 شحنات أميركية مسارها (6 منها كانت متوجهة إلى آسيا وطريق رأس الرجاء الصالح، وشحنة واحدة كانت متجهة إلى كولومبيا في أميركا الجنوبية) ووجّهتها باتجاه القارة العجوز.
ومن شأن هذا التغيير أن يضيف إلى أرباح كل شحنة أميركية 5.3 مليون دولار، وفق تقديرات شركة سبارك كوموديتيس.
ويوضح الرسم أدناه -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- الواردات الفصلية الأوروبية خلال عامي 2023 والعام الماضي:
واستفادت محطات إعادة التغويز في تركيا واليونان من شحنتي غاز مسال أميركيتين، إذ من المقرر أن تحولها المحطتان إلى غاز طبيعي ثم تُعيد ضخه عبر خطوط الأنابيب إلى دول جنوب شرقي أوروبا.
ويصل الحجم الإجمالي للشحنات الأميركية الـ7 إلى نحو 500 ألف طن غاز مسال (بما يعادل 0.5% من واردات الاتحاد خلال العام الماضي)، وفق بيانات نقلتها "فايننشال تايمز" عن "كبلر".
وتزامنت شراهة سوق الغاز في أوروبا للمزيد من الإمدادات مع انتهاء اتفاق توريد الغاز الروسي إلى أوكرانيا عبر خطوط الأنابيب مطلع الشهر الجاري، كما أن الطلب القوي المدفوع بانخفاض درجات الحرارة يفاقم الأزمة.
مخزونات الغاز الأوروبية وحجم الطلب
اقتربت نسبة مستويات مخزونات الغاز الأوروبية من 59% منذ الإثنين الماضي، وهو معدل ينخفض 15% مقارنة بالمدة ذاتها العام الماضي.
وينخفض ذلك عن مخزونات شهر يناير/كانون الثاني 2024 البالغة 75%، أو 79% في عام 2023.
وقد تصل مستويات التخزين إلى ما يتراوح بين 30 و35% من السعة الإجمالية (بما يقارب 38 مليار متر مكعب) حتى نهاية مارس/آذار، وفق تقديرات شركة إنرجي أسبكتس.
وقالت المحللة لدى إنرجي أسبكتس، إريسا باسكو، إن تراجع سعة التخزين إلى هذا المستوى يتطلّب تأمين 12 مليار متر مكعب إضافية، طبقًا لما نقلته رويترز عنها.
ولإعادة ملء مرافق التخزين خلال فصل الصيف المقبل، تحتاج أوروبا إلى شراء ما يقرب من 100 شحنة (أو حمولة ما يعادل 120 ناقلة غاز مسال)، بقيمة تصل إلى 6 مليارات دولار وفق أحدث مستوى سعري.
ولم تواجه السوق الأوروبية هذا الضغط من قبل سوى مع وقف شركة غازبروم الروسية ملء مرافق تخزينها في القارة، نهاية عام 2021 ومطلع 2022 مع استعدادات الحرب الأوكرانية.
أسعار الغاز الأوروبية
تشهد أسعار الغاز الأوروبية ارتفاعًا بالتزامن مع زيادة الطلب وتراجع المخزونات، وقد تقفز إلى مستويات أعلى مع زيادة الشراء لملء مرافق التخزين.
ويجري تداول الأسعار عند أعلى مستوى لها خلال 14 شهرًا، وقد تصل إلى 49.50 يورو (51.49 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة خلال فصل الصيف.
وفي تقديرات أخرى ستتراوح الأسعار بين 34 و37 يورو لكل ميغاواط/ساعة، خلال موسم التخزين.
(اليورو = 1.04 دولارًا أميركيًا)
وفعليًا، دارت أسعار الغاز حول نطاق 49.057 يورو لكل ميغاواط/ساعة يوم الخميس 23 يناير/كانون الثاني، طبقًا لما نقله موقع "آي سي إي" عن تحديثات العقود وفق مؤشر تي تي إف الهولندي.
وكانت الأسعار قد لامست الأسبوع الجاري مستويات 50 يورو لكل ميغاواط/ساعة، في أعلى مستوى لها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبدأت أسعار الغاز في أوروبا الارتفاع مع تزايد السحب من المخزونات، إثر توقف اتفاق ضخ الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوكرانيا مطلع الشهر الجاري.
توقعات سوق الغاز الأوروبية في 2025
ما زالت توقعات سوق الغاز الأوروبية في 2025 متفائلة رغم المتغيرات السابق ذكرها، إذ استبعد محللون تسجيل إمدادات الغاز في القارة نقصًا خلال العام الجاري.
وأكد المحللون أن الإمدادات المتاحة، ومستوى التخزين في سلوفاكيا (أكثر دول القارة تأثرًا بانتهاء عقد ضخ الغاز الروسي) تكفي لتلبية الطلب.
وقالوا إن المخاوف من "تكلفة" إعادة ملء المخزونات تفوق مخاوف السحب بمعدلات مرتفعة.
ومن المتوقع أن تعزّز زيادة الشراء الأوروبي من تحويل مسار شحنات الغاز المسال من وجهتها الآسيوية الرئيسة إلى دول القارة العجوز.
ويعوّل المعنيون على تشغيل مرافق تصدير الغاز المسال الجديدة، خاصة في أميركا، خلال العام الجاري، رغم التوقعات باستمرار ضغوط السوق العالمية حتى 2027.
وحذّر محللون من أي تغييرات في الإطار الزمني لدخول محطات التصدير الأميركية الجديدة حيز التشغيل، أو عودة الطلب الآسيوي إلى الارتفاع، مؤكدين أن هذه العوامل قد تؤثر في قدرة أوروبا على إعادة ملء مخزونات الغاز.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- تفاصيل تغيير مسار 7 شحنات غاز مسال أميركية وجهتها إلى أوروبا، من فايننشال تايمز.
- مستويات تخزين الغاز الأوروبية الحالية وتوقعات الملء خلال فصل الصيف، من رويترز.
- مؤشرات أسعار عقود الغاز الأوروبية وفق آخر تحديث لها، من "آي سي إي".
0 تعليق