مع التقدم السريع الذي تحرزه الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، برزت تساؤلات حول مدى فاعلية الضوابط التي فرضتها الولايات المتحدة للحد من وصول الصين إلى أحدث الرقائق الحاسوبية.
وعلى الرغم من هذه القيود، كشفت شركة DeepSeek الصينية عن نماذج ذكاء اصطناعي متطورة، ما يشير إلى أن واشنطن ربما لم تنجح في إبطاء نمو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصين، بل ربما شجّعت الابتكار الصيني على إيجاد حلول بديلة بتكاليف أقل.
هل تجاوزت الصين القيود الأمريكية؟
حسب صحيفة نيويورك تايمز، الثلاثاء 28 يناير 2025، تسعى الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات إلى تقييد وصول الصين إلى الرقائق الحاسوبية المتقدمة، بهدف إبطاء تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، ولكن في الأسابيع الأخيرة، أطلقت شركة DeepSeek الصينية عدة نماذج ذكاء اصطناعي وبرنامج دردشة آلي ينافس المنتجات الأمريكية، رغم استخدامها لعدد أقل من شرائح الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن.
وفي وقت قياسي، صعد برنامج الدردشة الآلي من DeepSeek إلى قمة متجر تطبيقات أبل، حيث شهد إقبالًا واسعًا من المستخدمين حول العالم، وهذا التطور أثار جدلًا واسعًا حول ضوابط التصدير الأمريكية، حيث أنشأت إدارة بايدن نظامًا صارمًا لمنع وصول الصين إلى رقائق إنفيديا المتقدمة، وسط مخاوف من أن هذه التقنية تمنح الصين تفوقًا اقتصاديًا وعسكريًا، ولكن تطوير DeepSeek يشير إلى أن هذه القيود ربما جاءت متأخرة جدًا أو لم تكن كافية لمنع الصين من إحراز تقدم سريع في المجال.
كيف حصلت DeepSeek على الرقائق المتطورة؟
أكدت شركة DeepSeek أن أحدث نماذجها تم تدريبها على رقائق Nvidia H800، وهي شريحة طورتها Nvidia خصيصًا للسوق الصينية بعد فرض قيود التصدير الأولى. ورغم أن واشنطن حظرت لاحقًا بيع هذه الشرائح، إلا أن الحكومة الأمريكية تحركت ببطء شديد، مما أتاح للشركات الصينية تخزين كميات كبيرة منها قبل دخول الحظر حيز التنفيذ.
ولم يُعرف بعد كيف حصلت DeepSeek على هذه الرقائق، لكن من المحتمل أنها اشترتها قانونيًا قبل فرض الحظر النهائي، وقال المستشار في مؤسسة راند، جيمي جودريتش، إن إدارة بايدن لو تصرّفت بسرعة أكبر لكانت DeepSeek واجهت صعوبة أكبر في تطوير نماذجها الحالية.
هل ساهم التهريب في وصول الصين إلى الشرائح المحظورة؟
رغم عدم وجود أدلة على أن DeepSeek استخدمت رقائق مهربة، إلا أن العديد من الشركات الصينية الأخرى لجأت إلى هذه الوسيلة. وكشفت نيويورك تايمز عن سوق نشطة في الصين لتهريب شرائح إنفيديا، حيث أفاد تجار في شنتشن أنهم باعوا آلاف الرقائق المحظورة، بما في ذلك A100s وH100s، الأكثر تقدمًا في ذلك الوقت.
وأظهرت التحقيقات أن بعض الشركات الصينية حصلت على 50 ألف معالج H100 المتقدم، وهو ما يفوق القيود التي تفرضها الضوابط الأمريكية، ومع اتساع نطاق التهريب أصدرت إدارة بايدن قواعد جديدة تحد من عدد الرقائق التي يمكن لشركة Nvidia بيعها لكل دولة، لكن يبقى السؤال: هل جاءت هذه التحركات متأخرة؟
كيف حولت الصين العقوبات إلى فرصة للابتكار؟
رغم القيود، يبدو أن الحظر الأمريكي أدى إلى تسريع الإبداع الصيني، وطورت DeepSeek نماذج ذكاء اصطناعي باستخدام 2000 شريحة Nvidia فقط، بينما تحتاج الشركات الغربية عادةً إلى 16,000 شريحة أو أكثر لتدريب تقنيات مماثلة.
وهذا الإنجاز أدى إلى انخفاض أسهم Nvidia، حي ث يخشى المستثمرون أن تتمكن الشركات من تطوير ذكاء اصطناعي متقدم بتكاليف أقل، مما يقلل الطلب على الشرائح الفائقة التي تصنعها Nvidia.
وقال الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، جيفري دينج: “الشركات الصينية أُجبرت على البحث عن حلول أكثر كفاءة، ما قد يؤدي إلى نموذج جديد في تطوير الذكاء الاصطناعي يعتمد على تقنيات أقل تكلفة وأكثر ذكاءً”.
ماذا يعني ذلك لمستقبل الذكاء الاصطناعي؟
يسلط نجاح DeepSeek الضوء على تحدٍ جديد لوادي السيليكون، إذ يشير إلى أن الولايات المتحدة ربما فقدت تقدمها التكنولوجي الحصري، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الشركات الصينية تعتمد على رقائق Nvidia، إذ لم تنجح هواوي أو غيرها حتى الآن في تصنيع بدائل بنفس الكفاءة.
هل يمكن للصين اللحاق بركب تصنيع الشرائح؟
رغم التقدم، لا تزال الولايات المتحدة متفوقة في تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي، ولم تتمكن أي شركة صينية حتى الآن من تصنيع رقائق تنافس Nvidia أو تطوير آلات معقدة لصناعتها، ويرى جودريتش أن “الميزة الأخيرة التي تمتلكها واشنطن على الصين هي تفوقها في تصنيع الرقائق المتطورة”.
وتكشف التطورات الأخيرة أن القيود الأمريكية لم توقف تقدم الذكاء الاصطناعي في الصين، بل حفزت الشركات الصينية على تطوير تقنيات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، ومع استمرار هذا التقدم، يبقى التساؤل مفتوحًا: “هل ستتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على تفوقها في صناعة الذكاء الاصطناعي، أم أن الصين ستجد طرقًا جديدة لتجاوز العقوبات؟”.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق