الغاز الإيراني لن يعود للعراق قريبًا.. وهذه تطورات صفقة تركمانستان

0 تعليق ارسل طباعة

ما يزال العراق يعاني من تداعيات أزمة الغاز الإيراني، التي أثّرت مباشرةً في قطاع الكهرباء، مما أدى إلى تراجع الإمدادات وزيادة ساعات انقطاع التيار.

ووفقًا لمتابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتطورات الأزمة، لم تتمكن الحكومة العراقية من تأمين بديل فوري، منذ أن أوقفت طهران تدفُّق الغاز إلى بغداد بحجّة "أعمال الصيانة"، ما جعل البلاد تعيش في أزمة كهرباء خانقة.

ورغم محاولات الحكومة العراقية لحل الأزمة، بما في ذلك زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى طهران، فإن الجانب الإيراني لم يقدّم أيّ التزام واضح بشأن استئناف التوريد.

في المقابل، استمر تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بشكل طبيعي، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام طهران بالعقود المُبرمة مع العراق.

ومع دخول الأزمة شهرها الثالث، تتجه الأنظار نحو البدائل الممكنة، وعلى رأسها استيراد الغاز من تركمانستان، الذي -رغم التفاؤل الرسمي- من غير المرجّح أن يكون حلًا فوريًا للأزمة، بسبب ما تفرضه التحديات اللوجستية والتعاقدية.

الغاز الإيراني إلى العراق

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية أن إيران أوقفت ضخ الغاز إلى العراق لمدة 15 يومًا، متذرعةً بأعمال الصيانة.

لكن مع انتهاء المدة، لم يُستأنف التوريد، بل استمر القطع، مما أدى إلى فقدان العراق نحو 8 آلاف ميغاواط من قدرات توليد الكهرباء.

ورغم أن العراق كان يتوقع استئناف الإمدادات بحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن الأزمة استمرت دون حلول واضحة.

إيران تتلاعب بالعراق
جانب من المحادثات بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الإيراني في طهران (يناير 2025)

وتَكرر السيناريو ذاته في يناير/كانون الثاني 2025، إذ فشلت الحكومة العراقية في الحصول على أيّ ضمانات من الجانب الإيراني خلال زيارة محمد شياع السوداني إلى طهران، وكذلك خلال لقاء وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل نظيره الإيراني عباس علي آبادي.

تقول مصادر مطّلعة إلى منصة الطاقة، إن إيران تبرّر استمرار وقف التوريد بارتفاع الطلب المحلي ونقص الوقود، ما يعني أن العراق لن يحصل على الغاز قبل انخفاض استهلاك إيران الداخلي، وهو أمر قد يستغرق عدّة أشهر.

تدفُّق الغاز الإيراني إلى تركيا

رغم قطعها للغاز عن العراق، استمرت إيران في تزويد تركيا بإمداداتها المتَّفق عليها، دون أيّ انقطاع.

وتؤكد مصادر أنّ تَخَلُّف طهران عن التزاماتها لم يكن متوقعًا من جانب الحكومة العراقية، لا سيما مع تحسُّن الطقس في يناير/كانون الثاني 2025، وارتفاع إنتاج الغاز الإيراني.

لكن كانت المفاجأة أن الغاز لم يعد للعراق، بينما بقيت الإمدادات الإيرانية إلى تركيا في مستوياتها الطبيعية.

ودفع هذا الوضع بغداد إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها، إذ بات واضحًا أن الاعتماد الكلي على الغاز الإيراني يحمل مخاطر كبيرة، خاصة في ظل عدم التزام طهران ببنود العقود الموقّعة.

صفقة الغاز التركمانستاني

في ظل استمرار الأزمة، برز خيار استيراد الغاز من تركمانستان بوصفه بديلًا محتملًا، إذ أعلن وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، في 29 يناير/كانون الثاني 2025، أن هذا الخيار قد يكون حلًا مهمًا خلال صيف العام الحالي.

ولكن الواقع يشير إلى تعقيدات كبيرة تعترض هذا الخيار، إذ يتطلب نقل الغاز التركمانستاني إلى العراق المرور عبر الأراضي الإيرانية، ما يستلزم التعاقد مع شركة وسيطة، ويُرجَّح أن تكون شركة الغاز الإيرانية نفسها.

توقيع صفقة استيراد العراق الغاز التركمانستاني
توقيع صفقة استيراد العراق الغاز التركمانستاني - الصورة من صفحة وزارة الكهرباء العراقية في فيسبوك (19 أكتوبر 2024)

كما أن العملية تتطلب إجراءات تعاقدية وترتيبات مالية قد تستغرق نحو 8 أشهر، ما يعني أن العراق لن يحصل على الغاز التركمانستاني قبل سبتمبر/أيلول 2025، حسب مصادر تحدثت إلى منصة الطاقة.

وحتى في حال وصول الإمدادات بموعدها المتوقع، فإن الكميات المتفق عليها لن تكون كافية لسدّ العجز، إذ من المقرر أن تستورد بغداد 20 مليون متر مكعب يوميًا فقط، وهو بالكاد يكفي لتوليد 4 آلاف ميغاواط، ما يعني استمرار النقص الحادّ في الكهرباء.

تجاوز الأزمة

مع استمرار أزمة قطع إمدادات الغاز الإيراني وتباطؤ الحلول البديلة، أصبح من الضروري أن تتبنّى الحكومة العراقية إستراتيجيات جديدة لضمان أمنها الطاقي، إذ يمكن تصنيف الحلول إلى مسارين رئيسين، هما:

  1. الحلول قصيرة الأجل
  • التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية المنزلية: من خلال تقديم تسهيلات بنكية وقروض ميسّرة للمواطنين لتركيب ألواح شمسية، ما يقلل الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية.
  • استعمال محطات كهرباء عائمة: يمكن للعراق الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في استعمال البوارج العائمة، مثل بواخر "كارباورشيب" التركية، التي يمكنها توفير إمدادات كهرباء فورية.
  • تحويل بعض المحطات للعمل بالوقود البديل: رغم التأثيرات البيئية، فإن تشغيل بعض المحطات بالديزل أو النفط الأسود قد يكون حلًا مؤقتًا لتغطية العجز الحاصل.
  1. الحلول طويلة الأجل
  • الاستيراد المباشر للغاز المسال: تسريع تنفيذ البنية التحتية في ميناء الفاو الكبير لاستقبال الغاز المسال من قطر، وفق الاتفاقات المُبرمة مسبقًا.
  • تعزيز مشروعات الطاقة المتجددة: من خلال تسريع العمل على مشروعات الطاقة الشمسية مع الشركات العالمية، مثل توتال إنرجي الفرنسية وأكوا باور السعودية ومصدر الإماراتية، حيث يمكن لهذه المشروعات توفير نحو 3 آلاف ميغاواط خلال السنوات الـ3 القادمة.

الاستقلال عن الغاز الإيراني

لا شك أن أزمة الغاز الإيراني كشفت مدى هشاشة أمن الطاقة في العراق، لا سيما مع استمرار اعتماد بغداد على مصدر واحد للإمدادات، وبينما تمثّل صفقة الغاز التركمانستاني خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها ليست حلًا سريعًا للأزمة الحالية.

تركيب الألواح الشمسية في العراق
اللجوء إلى الطاقة الشمسية لحل أزمة الكهرباء في العراق

وبذلك يبقى الخيار الأمثل هو تبنّي إستراتيجية طاقة أكثر تنوعًا، تشمل تطوير موارد الغاز المحلية، والاستثمار في الطاقات المتجددة، وإيجاد بدائل أكثر موثوقية لاستيراد الغاز.

أمّا استمرار الرهان على استئناف ضخ الغاز الإيراني، فقد أثبت أنه خيار غير مضمون، ما يستوجب إعادة النظر في العلاقات الطاقية بين البلدين، إذ تعتمد محطات الكهرباء العراقية على إمدادات الغاز من طهران بنسبة 80%.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. مقال لمدير تحرير منصة الطاقة، بعنوان "إيران تتلاعب بالعراق.. تفاصيل تكشف المستور في أزمة الغاز"
  2. العراق يسعى لتقليص الاعتماد على الغاز الإيراني من منصة "ميدل إيست مونيتور".
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق