في عالم الشحن العالمي المتشعب، ظهر تهديد صامت يعمل في الظل، مهددًا التوازن البيئي، ومقوضًا القانون الدولي، ومؤججًا التوترات الجيوسياسية، وتمثل عملياته غير الخاضعة للرقابة أكثر من مجرد تهديد للنزاهة الاقتصادية، فهي كارثة بيئية وجيوسياسية موقوتة.
إنه “أسطول الظل”، وهو أسطول غير رسمي من ناقلات النفط القديمة وغير الشرعية، ويخدم روسيا في المقام الأول، فضلًا عن إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، متجاوزًا العقوبات ومعايير السلامة.
تفاقم العواقب البيئية
قالت مجلة “أوراسيا ريفيو”، في تقرير نشرته أمس السبت 18 يناير 2025، إن بحر البلطيق، حيث تمر حوالي 50% من صادرات أسطول الظل من النفط، معرض للخطر بشكل فريد بسبب هذا الأسطول، فجغرافيته شبه المغلقة تحد من تبادل المياه، ما يؤدي إلى تفاقم العواقب البيئية والاقتصادية للتلوث.
وفي حالة حدوث تسرب نفطي، فإن التأثير سيكون كارثيًا، حيث يدمر الموائل البحرية ويشل الاقتصادات المحلية التي تعتمد على مصايد الأسماك والسياحة، وهذا الخطر ليس نظريًّا، فقد يؤدي وقوع حادث في هذه المنطقة إلى تدمير النظم البيئية البحرية الهشة، وشل الاقتصادات الإقليمية، وخلق احتكاك جيوسياسي دائم.
سوابق تاريخية
أوضحت المجلة أن السوابق التاريخية تعمل على تضخيم هذه المخاوف، فقد أدى تسرب النفط من السفينة بريستيج قبالة سواحل إسبانيا في عام 2002، إلى تصريف أكثر من 60 ألف طن من النفط في المحيط الأطلنطي، ودمر النظم البيئية البحرية، وعطل سبل العيش، وكلف مليارات الدولارات في جهود التنظيف، ومع ذلك، يعمل أسطول الظل بعيدًا عن التنظيم القانوني والشرعي، ما يجعل المساءلة والتنفيذ شبه مستحيل.
وأضافت أن ملكية سفن أسطول الظل الغامضة وصيانتها الرديئة تعكس الإخفاقات النظامية لهذا الأسطول، ما يسلط الضوء على التقارب بين المخاطر البيئية والبشرية والتشغيلية المرتبطة بهذه السفن، ولكن أسطول الظل يشير بالفعل إلى أزمة بيئية عالمية في حركة بطيئة، فوفقًا للمحللين، ينسكب من أسطول الظل أكثر من 4.5 مليون برميل من النفط سنويًا بسبب عدم الصيانة والعمليات غير المنظمة.
" frameborder="0">
زيادة التوترات الجيوسياسية
أشارت المجلة إلى أن خطر أسطول الظل لا يقتصر على التسريبات النفطية فحسب، بل إنه أداة مشتبه بها للحرب الهجينة الروسية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية في بحر البلطيق وخارجه، حيث كشفت التحقيقات الأخيرة أن بعض سفن أسطول الظل مرتبطة بالتخريب وتدمير البنية التحتية تحت الماء.
ولفتت إلى أن السلطات الفنلندية احتجزت طاقم سفينة (Eagle S) بسبب الأضرار التي لحقت بكابل (Estlink-2) تحت البحر بين فنلندا وإستونيا في أواخر عام 2024. وبالمثل، كان من المفترض قطع خط أنابيب الغاز (Baltic Connector) في أكتوبر 2023 والذي تورطت فيه سفينة صينية تابعة لروسيا، ما يكشف عن قدرة الأسطول على زيادة التوترات الجيوسياسية في مناطق متقلبة بالفعل.
وذكرت أن إحدى أكثر ممارسات أسطول الظل إثارة للقلق هي تعطيل أنظمة التعريف التلقائي (AIS) بشكل روتيني، ما يجعل تلك السفن غير مرئية لأنظمة التتبع، ويسهل لها التهرب من العقوبات ويزيد من مخاطر الاصطدام في ممرات الشحن المزدحمة، مشيرة إلى أن الإخفاء المتعمد لحركات هذه السفن لا يعرض السفن الأخرى للخطر فحسب، بل يعرض الأمن الإقليمي أيضًا للخطر.
تحقيق التوازن
أوضحت المجلة أن المحللين في شركتي ويندوارد وفورتيكسا، لإدارة المخاطر والتوعية بالمجال البحري، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2024 وحتى أبريل 2024، وثقوا أكثر من 1100 من “السفن المظلمة” بالإضافة إلى أكثر من 900 “سفينة رمادية” في ممرات بحرية حرجة مثل مضيق هرمز والقنال الإنجليزي ومضيق الدنمارك، مع وجهاتها الثلاث الأولى الهند (+1.8 مليون برميل يوميًا) والصين (+1.5 مليون برميل يوميًا) وتركيا (+670 ألف برميل يوميًا) منذ مارس 2023.
وقالت إن أسطول الظل ليس مجرد حل لوجستي للأنظمة الخاضعة للعقوبات، بل أحد أعراض الفشل النظامي في الحوكمة العالمية والإدارة البيئية، ويمثل انتشاره غير المقيد انهيارًا للتعاون الدولي، فضلا عن كونه اختبارا عاجلا لقدرة المجتمع العالمي على تحقيق التوازن بين الاستدامة والأمن.
وأضافت أن أسطول الظل يذكرنا بأن الاستدامة والأمن لا ينفصلان، ويتعين على الدول والمنظمات الدولية أن تعطي الأولوية للاستقرار على المدى الطويل على المصالح الاقتصادية القصيرة الأجل، مشيرة إلى أن شبح الكارثة البيئية لم يعد مسألة “إذا” بل “متى”، مؤكدةً أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات حاسمة قبل حدوث كوارث أخرى.
إخلاء مسؤولية إن موقع جريدة الجوف يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق